كي لا ننسى

(ظُلِمَ هذا الرجلُ وما عرف حقه العربُ، رجلٌ ينقله الله من قلب أوروبا ويضعه في المكتبة الظاهرية أحسن مكتبة في الشرق ويعكف فيها ستين سنة ويقدِّم هذه الجهود العظيمة)

أنه محمد ناصر الدين الألباني:




-نشأته وحياته:

محمد ناصر الدين الألباني (1914 - 1999) أبو عبد الرحمن، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الأرنؤوطي. باحث في شؤون الحديث ويعد من الباحثين ذوي الشهرة في العصر الحديث.

ولد محمد ناصر الدين الألباني عام 1333هـ، في أشقودرة، (Shkodër)، العاصمة القديمة لألبانيا، والجدير بالذكر أن والده درس الشريعة في إسطنبول وعاد إلى بلده وأصبح أحد كبار علماء المذهب الحنفي هناك، لكنه اختلف مع توجهات الملك أحمد زوغو الغربية بعد منعه النساء من ارتداء النقاب، فهاجر هو وأسرته إلى دمشق ومعه ابنه محمد.

أتم الألباني دراسته الابتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري في دمشق بتفوق.

وقرر والده بعد أكمال محمد دراسته في المدرسه النظاميه ,وضع له منهجاً علمياً مركزاً قام من خلاله بتعليمه القرآن الكريم، والتجويد، والنحو والصرف، وفقه المذهب الحنفي، وقد ختم الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي وبعض كتب اللغة والبلاغة.

أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها




-دراسته للحديث:

تعلم الحديث النبوي في نحو العشرين من عمره متأثرًا بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها محمد رشيد رضا. وكان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي مع التعليق عليه.

كان ذلك العمل بداية للألباني حيث أصبح الاهتمام بالحديث وعلومه شغله، فأصبح معروفًا بذلك في الأوساط العلمية بدمشق، حتى إن إدارة المكتبة الظاهرية بدمشق خصصت غرفة خاصة له ليقوم فيها بأبحاثه، بالإضافة إلى منحه نسخة من مفتاح المكتبة حيث يدخلها وقت ما شاء، أما عن التأليف والتصنيف، فقد ابتدأهما في العقد الثاني من عمره، وكان من أول مؤلفاته كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"

زار الألباني الكثير من الدول للتدريس وإلقاء المحاضرات، منها السعودية وقطر والكويت، ومصر، والإمارات، واسبانيا، وإنجلترا، وألمانيا. وتخصص الألباني في مجال الحديث النبوي وعلومه وتتلمذ على يديه كثير من الطلبة، ومنهم من غدا من باحثي الدراسات الإسلامية بعد ذلك.




-أعماله:

كان للألباني أعمال وخدمات عديدة منها:




1) كان يحضر ندوات محمد بهجت البيطار مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق، منهم عز الدين التنوحي—إذ كانوا يقرؤن "الحماسة" لأبي تمام.




2) اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955 م.




3) اختير عضوًا في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر وسوريا، للإشراف على نشر كتب السنة وتحقيقها.




4) طلبت إليه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل والأولاد بسبب الحرب بين الهند وباكستان آنذاك.




5) طلب إليه معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وزير المعارف في المملكة العربية السعودية عام 1388 ه، أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون تحقيق ذلك.




6) اختير عضوًا للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395 ه إلى 1398 ه.




7) لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في إسبانيا، وألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام".

زار قطر وألقى فيها محاضرة بعنوان "منزلة السنة في الإسلام".




9) انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء للدعوة في مصر والمغرب وبريطانيا للدعوة إلى التوحيد والاعتصام بالكتاب والسنة والمنهج الإسلامي الحق.




10) دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها واعتذر عن كثير بسبب أنشغالاته العلمية الكثيرة.




11) زار الكويت والإمارات وألقى فيهما محاضرات عديدة، وزار أيضا عددًا من دول أوروبا، والتقى فيها بالجاليات الإسلامية والطلبة المسلمين، وألقى دروسًا علمية مفيدة.




12) للألباني مؤلفات وتحقيقات، ربت على المئة، وترجم كثير منها إلى لغات مختلفة، وطبع أكثرها طبعات متعددة ومن أبرزها، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وسلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، وصفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها.




13) كانت قررت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية من منح الجائزة عام 1419ه / 1999م، وموضوعها "الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً وتخريجاً ودراسة" لمحمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديرًا لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجًا وتحقيقًا ودراسة وذلك في كتبه التي تربو على المئة.




-اعتقاله




في أوائل 1960م كان الألباني مراقبا من قبل الحكومة في سوريا، مع العلم أنه كان بعيدًا عن السياسة، وقد سبب ذلك نوعًا من الإعاقة له. فقد تعرض للاعتقال مرتين، الأولى كانت قبل عام 1967م، حيث اعتقل لمدة شهر في قلعة دمشق وهي نفس القلعة التي اعتقل فيها ابن تيمية[1]، [2] وعندما قامت حرب 1967م، رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين، فأفرج عنه.




لكن بعدما اشتدت الحرب أعيد الألباني إلى المعتقل مرة ثانية، ولكن هذه المرة ليس في سجن القلعة، بل في سجن الحسكة شمال شرق دمشق، وقد قضى فيه ثمانية أشهر، وخلال هذه الفترة حقق مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري واجتمع مع شخصيات كثيرة في المعتقل.. إلى أن استقبله الأردن.




-وصيته:

أوصي زوجتي وأولادي وأصدقائي وكل محب لي إذا بلغه وفاتي أن يدعو لي بالمغفرة والرحمة -أولاً- وألا يبكوا علي نياحة أو بصوت مرتفع.




وثانيًا: أن يعجلوا بدفني، ولا يخبروا من أقاربي وإخواني إلا بقدر ما يحصل بهم واجب تجهيزي، وأن يتولى غسلي (عزت خضر أبو عبد الله) جاري وصديقي المخلص، ومن يختاره -هو- لإعانته على ذلك.




وثالثًا: اختار الدفن في أقرب مكان، لكي لا يضطر من يحمل جنازتي إلى وضعها في السيارة، وبالتالي يركب المشيعون سياراتهم، وأن يكون القبر في مقبره قديمة يغلب على الظن أنها سوف لا تنبش...




وعلى من كان في البلد الذي أموت فيه ألا يخبروا من كان خارجها من أولادي - فضلاً عن غيرهم- إلا بعد تشييعي، حتى لا تتغلب العواطف، وتعمل عملها، فيكون ذلك سببًا لتأخير جنازتي.




سائلاً المولى أن ألقاه وقد غفر لي ذنوبي ما قدمت وما أخرت..




وأوصي بمكتبتي -كلها- سواء ما كان منها مطبوعًا، أو تصويرًا، أو مخطوطًا -بخطي أو بخط غيري- لمكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح -يوم كنت مدرسًا فيها-. راجيًا من الله تعالى أن ينفع بها روادها، كما نفع بصاحبها -يومئذ- طلابها، وأن ينفعني بهم وبإخلاصهم ودعواتهم. (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين). 27 جمادى الأول 1410 هـ




-وفاته




توفي الألباني قبيل يوم السبت في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة 1420هـ، الموافق الثاني من أكتوبر 1999م، في مدينة عمان عاصمة الأردن في حي ماركا الجنوبية, ودفن بعد صلاة العشاء. وقد عجل بدفن الألباني لأمرين اثنين:




الأول: تنفيذ وصيته كما أمر.




الثاني: الأيام التي مر بها موت الألباني والتي تلت هذه الأيام كانت شديدة الحرارة، فخشي أنه لو تأخر بدفنه أن يقع بعض الأضرار أو المفاسد على الناس الذين يأتون لتشييع جنازته فلذلك أوثر أن يكون دفنه سريعًا.




بالرغم من عدم إعلام أحد عن وفاة الألباني إلا المقربين منهم حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافة إلى قصر الفترة ما بين وفاته ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته حيث تداعى الناس بأن يعلم كل منهم أخاه.




-قالوا عنه:

>عبد العزيز بن باز: (ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل محمد ناصر الدين الألباني)

>مقبل بن هادي الوادعي : (إننا لا نزال نزداد علما بسبب كتب الشيخ)

>مفتي الديار محمد بن إبراهيم آل الشيخ " ناصر الدين الألباني ـ وهو صاحب سنة ونصرة للحق ومصادمة لأهل الباطل."




نسأل الله تعالى أن يكثر من أمثاله في الأمة وأن يجعلنا وإياه من الهداة المهتدين والقادة المصلحين وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه جواد كريم"




كي لا ننسى (ظُلِمَ هذا الرجلُ وما عرف حقه العربُ) 1010333_628430683858470_1145695433_n