ابن كثير :
( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا
فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( 110 ) )
يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله ، صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين ، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج
الأوقات إلى ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وزلزلوا حتى يقول الرسول
والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
[ البقرة : 214 ] ، وفي قوله : ( كذبوا ) قراءتان ، إحداهما بالتشديد :
" قد كذبوا " ، وكذلك كانت عائشة - رضي الله عنها - تقرؤها ،
قال البخاري :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ،
عن ابن شهاب قال : [ ص: 425 ] أخبرني عروة بن الزبير ،
عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله : ( حتى إذا استيئس
الرسل ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا ؟ فقالت عائشة : كذبوا .
فقلت : فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت :
أجل ، لعمري لقد استيقنوا بذلك . فقلت لها : وظنوا أنهم قد كذبوا ؟
قالت معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت :
فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم
وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ،
( حتى إذا استيئس الرسل ) ممن كذبهم من قومهم ،
وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .
حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرنا عروة ،
فقلت : لعلها قد كذبوا مخففة ؟ قالت : معاذ الله . انتهى ما ذكره .
وقال ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة : أن ابن عباس قرأها :
( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة ، قال عبد الله هو ابن مليكة :
ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا وتلا ابن عباس : ( حتى يقول
الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
[ البقرة : 214 ] ، قال ابن جريج : وقال لي ابن أبي مليكة :
وأخبرني عروة عن عائشة : أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت :
ما وعد الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - من شيء
إلا قد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل
حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها "
وظنوا أنهم قد كذبوا " مثقلة ، للتكذيب .
وقال ابن أبي حاتم : أنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنا ابن وهب ،
أخبرني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال :
جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال : إن محمد بن كعب
القرظي يقول هذه الآية : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم
قد كذبوا ) فقال القاسم : أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي
- صلى الله عليه وسلم - تقول : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا
أنهم قد كذبوا ) تقول : كذبتهم أتباعهم . إسناد صحيح أيضا .
والقراءة الثانية بالتخفيف ، واختلفوا في تفسيرها ، فقال ابن عباس
ما تقدم ، وعن ابن مسعود ، فيما رواه سفيان الثوري ، عن الأعمش
، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قرأ : ( حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة ، قال عبد الله :
هو الذي تكره .
وهذا عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - مخالف لما
رواه آخرون عنهما . أما ابن عباس فروى الأعمش ، عن مسلم ،
عن ابن عباس في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم
قد كذبوا ) قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ،
وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، [ ص: 426 ]
جاءهم النصر على ذلك ، ( فنجي من نشاء )
وكذا روي عن سعيد بن جبير ، وعمران بن الحارث السلمي ،
وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة ،
والعوفي عن ابن عباس بمثله .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عارم أبو النعمان ،
حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا شعيب حدثنا إبراهيم بن أبي
حرة الجزري قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له :
يا أبا عبد الله ، كيف هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا
أقرأ هذه السورة : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا )
قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ،
وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا . فقال الضحاك بن مزاحم :
ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ! لو رحلت في هذه
إلى اليمن كان قليلا .
ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر : أن مسلم بن يسار سأل سعيد
بن جبير عن ذلك ، فأجابه بهذا الجواب ، فقام إلى سعيد فاعتنقه ،
وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني .
وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك ،
وكذا فسرها مجاهد بن جبر ، وغير واحد من السلف ، حتى إن
مجاهدا قرأها : " وظنوا أنهم قد كذبوا " ، بفتح الذال . رواه ابن جرير ،
إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله :
( وظنوا أنهم قد كذبوا ) إلى أتباع الرسل من المؤمنين ،
ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم ، أي : وظن الكفار أن الرسل
قد كذبوا - مخففة - فيما وعدوا به من النصر .
وأما ابن مسعود فقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ،
حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن
حذلم قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية :
( حتى إذا استيأس الرسل ) من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن
قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا ، بالتخفيف .
فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس ، وقد أنكرت
ذلك عائشة على من فسرها بذلك ، وانتصر لها ابن جرير ، ووجه
المشهور عن الجمهور ، وزيف القول الآخر بالكلية ، ورده وأباه ،
ولم يقبله ولا ارتضاه ، والله أعلم .
( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا
فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( 110 ) )
يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله ، صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين ، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج
الأوقات إلى ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وزلزلوا حتى يقول الرسول
والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
[ البقرة : 214 ] ، وفي قوله : ( كذبوا ) قراءتان ، إحداهما بالتشديد :
" قد كذبوا " ، وكذلك كانت عائشة - رضي الله عنها - تقرؤها ،
قال البخاري :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ،
عن ابن شهاب قال : [ ص: 425 ] أخبرني عروة بن الزبير ،
عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله : ( حتى إذا استيئس
الرسل ) قال : قلت : أكذبوا أم كذبوا ؟ فقالت عائشة : كذبوا .
فقلت : فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت :
أجل ، لعمري لقد استيقنوا بذلك . فقلت لها : وظنوا أنهم قد كذبوا ؟
قالت معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت :
فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم
وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ،
( حتى إذا استيئس الرسل ) ممن كذبهم من قومهم ،
وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .
حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرنا عروة ،
فقلت : لعلها قد كذبوا مخففة ؟ قالت : معاذ الله . انتهى ما ذكره .
وقال ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة : أن ابن عباس قرأها :
( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة ، قال عبد الله هو ابن مليكة :
ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا وتلا ابن عباس : ( حتى يقول
الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
[ البقرة : 214 ] ، قال ابن جريج : وقال لي ابن أبي مليكة :
وأخبرني عروة عن عائشة : أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت :
ما وعد الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - من شيء
إلا قد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل
حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها "
وظنوا أنهم قد كذبوا " مثقلة ، للتكذيب .
وقال ابن أبي حاتم : أنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنا ابن وهب ،
أخبرني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال :
جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال : إن محمد بن كعب
القرظي يقول هذه الآية : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم
قد كذبوا ) فقال القاسم : أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي
- صلى الله عليه وسلم - تقول : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا
أنهم قد كذبوا ) تقول : كذبتهم أتباعهم . إسناد صحيح أيضا .
والقراءة الثانية بالتخفيف ، واختلفوا في تفسيرها ، فقال ابن عباس
ما تقدم ، وعن ابن مسعود ، فيما رواه سفيان الثوري ، عن الأعمش
، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قرأ : ( حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) مخففة ، قال عبد الله :
هو الذي تكره .
وهذا عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - مخالف لما
رواه آخرون عنهما . أما ابن عباس فروى الأعمش ، عن مسلم ،
عن ابن عباس في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم
قد كذبوا ) قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ،
وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، [ ص: 426 ]
جاءهم النصر على ذلك ، ( فنجي من نشاء )
وكذا روي عن سعيد بن جبير ، وعمران بن الحارث السلمي ،
وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة ،
والعوفي عن ابن عباس بمثله .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عارم أبو النعمان ،
حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا شعيب حدثنا إبراهيم بن أبي
حرة الجزري قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له :
يا أبا عبد الله ، كيف هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا
أقرأ هذه السورة : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا )
قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ،
وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا . فقال الضحاك بن مزاحم :
ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ! لو رحلت في هذه
إلى اليمن كان قليلا .
ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر : أن مسلم بن يسار سأل سعيد
بن جبير عن ذلك ، فأجابه بهذا الجواب ، فقام إلى سعيد فاعتنقه ،
وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني .
وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك ،
وكذا فسرها مجاهد بن جبر ، وغير واحد من السلف ، حتى إن
مجاهدا قرأها : " وظنوا أنهم قد كذبوا " ، بفتح الذال . رواه ابن جرير ،
إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله :
( وظنوا أنهم قد كذبوا ) إلى أتباع الرسل من المؤمنين ،
ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم ، أي : وظن الكفار أن الرسل
قد كذبوا - مخففة - فيما وعدوا به من النصر .
وأما ابن مسعود فقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ،
حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن
حذلم قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية :
( حتى إذا استيأس الرسل ) من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن
قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا ، بالتخفيف .
فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس ، وقد أنكرت
ذلك عائشة على من فسرها بذلك ، وانتصر لها ابن جرير ، ووجه
المشهور عن الجمهور ، وزيف القول الآخر بالكلية ، ورده وأباه ،
ولم يقبله ولا ارتضاه ، والله أعلم .