[rtl]من فقه الجهاد (5)
كيف يُقَرُّ الرقُّ في الإسلام وهو مناقض لمبدأ الحرية .؟ 
17 / 8 / 2016 
أبو ياسر السوري
============= 
لو استعرضنا النصوص والوقائع المتعلقة بالرق في الإسلام ، لتبين لنا الأمور التالية : 
1 - 
أن الرق كان معروفا لدى أهل الأرض جميعا منذ أقدم العصور .. فهو معروف لدى قدماء المصريين ، وعلى أكتافهم بنيت الأهرامات .. وهو معروف في الصين وفي الهند وعند اليونان والرومان وله ذكر في التوراة عند اليهود .. وهو مذكور في رسائل بولس عند النصارى .. وما زال الرق موجودا ومتعارفا عليه في أوربا .. بل كان الاسترقاق وما زال إلى القرن التاسع عشر معمولا به ، وكان القراصنة الغربيون يختطفون من الأفارقة عشرات الآلاف كل عام ويضربون عليهم الرق ويحولونهم إلى عبيد 
2 - 
لو رجعنا إلى عهد البعثة المحمدية ، لرأينا أنه حين شرع القتال في الإسلام كان الرق عرفا معمولا به بين العرب ، وكانت أسبابه عندهم كثيرة منها البيع والمقامرة والنهب والسطو ووفاء الديون والحروب القبلية والقرصنة والطبقية .. فعمد الإسلام إلى إلغاء كل موارد الرق المعروفة لدى العرب ، واختصرها في مورد واحد فقط، هو رقيق الحرب ولكنْ بشرطين: 
الأول : أن يؤخذ الأسير بحرب يكون القتال فيها لإعلاء كلمة الله .. الثاني : أن لا يسترق الأسير إلا بأمر من إمام المسلمين .. 
بينما كان عرف العرب أنه إذا استسلمت قبيلة ضعيفة لقبيلة قوية في الحرب ، تحول رجال القبيلة المغلوبة إلى أرقاء ، ونساؤها وصغارها إلى سبايا وإماء للقبيلة الأقوى مدى الحياة ، لا يعودون أحرارا أبدا ، وإذا توالدوا فأولادهم كذلك عبيد وإماء .. 
وبناء على هذا، لا يسوغ توجيه التهمة إلى الإسلام بأنه أقر الرق أو شارك في الاعتداء على حق الحرية الممنوح للبشرية من رب السماء . وإنما يجب أن يُعتَرَفَ للإسلام بأنه حين أجاز الرق ، فإنما أجازه للضرورة عملا بعرف شائع ، فالمسلمون مضطرون لمعاملة أعدائهم بالمثل ، ولم يكن من الحكمة ولا من العدل أن لا يُسمح للمسلمين بأسر أعدائهم ، في الوقت الذي لا يمتنع فيه الأعداء عن أخذ أسرى منهم ، وتحويلهم بالرق إلى عبيد . 
 3 –
ومع أن الإسلام قبل العمل بالرِّقِّ من حيث المبدأ ، فما زلنا نؤكد على أن روح الإسلام كانت وما زالت تأبى نشر الرق بين البشر ، وتميل إلى بقائهم أحرارا . وهذا ما أكده قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟"
ومما يؤكد هذا التوجه الإسلامي أيضا عشراتٌ من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي حثت على التقرب إلى الله بعتق الرقاب ، أو أمرت بعتقها في كل الكفارات ، ككفارة اليمين والظهار وقتل المسلم خطأ .. وهذه كلها إجراءات عملية في تضييق دائرة العبودية ، وعناية الإسلام بتحرير العباد 
ومن طريف ما أفتى به فقهاء المسلمين في هذا الباب إفتاؤهم فيما " إذا اختلف مسلم ونصراني على طفل ، فادعى النصراني أنه ابنه ، وادعى المسلم أنه عبده .. فيحكم بالطفل للنصراني لئلا يقع الطفل في الرق .." وفي هذا دلالة عجيبة على أن الإسلام يقدم حق الحرية على حق الاستعباد .. 
ومن الأحكام الشرعية الدالة على تقديس الحرية " أن الحر إذا أولد أمته بملك اليمين أعتقها ولدها أي صيرها حرة .. دليل ذلك مَا رُوِيَ أَنَّ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ رضي الله عنها ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَدَهَا ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ مَاتَ عَنْهَا وَلَهُ سَنَتَانِ ، فَلَمَّا احْتُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَا أُخَلِّفُ دِينَارًا ، وَلَا دِرْهَمًا ، وَلَا عَبْدًا ، وَلَا أَمَةً ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَمَارِيَةُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " تِلْكَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا . 
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أخلف كذا ولا كذا .. ولا أمة " استشكلت عائشة رضي الله عنها بشأن مارية القبطية فهي أمة سيخلفها رسول الله من بعده .؟ فأفهمها النبي أن مارية حين ولدت إبراهيم من رسول الله ، أصبحت حرة ولم تعد أمة .. 
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَالَ : " أَيُّمَا أَمَةٍ ، وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ " . 
لهذا كان المفكر عباس محمود العقاد ينكر أن يكون الإسلام أقر بالرق إقرارا تأصيليا ، ويرى أنه ما أقر به إلا إقراراً بضرورة واقعة ، سوف يصار إلى تغييرها مع الأيام ، كإقراره بشرب الخمر في بداية الأمر ، ثم صار إلى تحريمها بطريق التدرج ، وكذلك الرق في رأي العقاد سلك الإسلام إلى إلغائه طريق الحكمة والتدرج فأمر بتجفيف منابعه ، وسد مداخله ، ولنصغ في هذا الصدد للعقاد حيث يقول : [ الإسلام ألغى الرق بطريق غير مباشر ، فقد جاء الإسلام وللرق وسائل أو مداخل كثيرة منها المقامرة ، والنهب ، والسطو ، والغزو بين القبائل .. فألغى جميع هذه المداخل ، ولم يبق منها إلا مدخلا واحدا ، هو "الحرب الدينية " أي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ]. 
ولعل قائلا يقول : إذا سلمنا بمشروعية الرق ، بوصفه ثمرة من ثمار الجهاد في سبيل الله ، فما الحكمة من بقاء من أسلم من الأرقاء في العبودية بعد إسلامهم ؟ ولماذا لم يصدر قانون عام بتحرير كل من أسلم من الرقيق .؟ 
والجواب : في حديث العقيلي : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَأَسَرُوا رَجُلا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَاسْتُوْثِقَ مِنْهُ ، وَطُرِحَ فِي الْحَرَّةِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ العقيلي : فِيمَا أُخِذْتُ ؟ وَفِيمَ أُخِذَتْ سَالِفَةُ الْحَاجِّ ؟ يَعْنِي ناقته الْعَضْبَاءَ .. قَالَ صلى الله عليه وسلم أُخِذَتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ مِنْ ثَقِيفٍ ، قَدْ أَسَرُوا مُسْلِمِينَ .. فَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ : إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَعَطْشَانٌ فَاسْقِنِي وَأَنَا مُسْلِمٌ فَخَلِّنِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لَوْ قُلْتَ هَذَا قَبْلَ هَذَا أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ . يَعْنِي : لو أسلمت قَبْلَ وقوعك في الأسر لنجوت من الرق وكنت حرا ]رواه الشافعي عن عمران بن حصين . 
وعلل الفقهاء الحكمة من ذلك بالقول : " المسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي : ثبت لهم حق ملكية الرقيق بتشريع الخالق الحكيم الخبير ، فإذا استقر هذا الحق وثبت ، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك ، كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام ، مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية في الرقيق قبل الإسلام ، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق ، بالحق المتأخر عنه ، كما هو معلوم عند العقلاء [/rtl]