13/11/2011

النظام في نفق الموت

مجاهد مأمون ديرانية

-1-

استقبل أكثرُ المهتمين والمتابعين صباحَ السبت وقد غلب على ظنهم أن يسمعوا قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية قبل حلول المساء. حسناً، هم لم يسمعوا عن التجميد ولكنهم سمعوا عن التعليق، وكلاهما جيد، بل ربما كان “التعليق” أنسب من حيث التوافق اللفظي، فإنه يذكّر أهل سوريا بالتعليق على أعواد المشانق، وهو المصير الذي يرجونه لبشار وأصحابه عما قريب بإذن الله.

سواء أكان القرار تجميداً أم تعليقاً فالأمر تَمّ وحصل المقصود؛ شكراً يا جامعة، فقد كان دوركِ أن تتلقّفي المبادرةَ من مجلس التعاون بيد وتسلّميها للجماعة الدولية باليد الأخرى، وقد نفّذتِ شطر المهمة وبقي عليك الشطرُ الآخر بعد أيام. وماذا ستفعل جامعة العرب ودول العرب أكثر من ذلك؟ لا يجوز أن نحمّلهم ما لا يطيقون، فلقد لبثوا يفكرون في أمرهم مئة وسبعين يوماً حتى جاءهم الفرج، حينما أطلق مجلس التعاون الخليجي المبادرةَ وأرسلها إلى الجامعة لتدخل من باب وتخرج من باب وصولاً إلى الأمم المتحدة، فالجامعة معبر أو ممرّ ليس أكثر، ومع ذلك نقول مرة أخرى: شكراً لك يا أيتها الجامعة لأنك فتحتِ لنا بابَي المرور -دخولاً وخروجاً- ومنحتِ المبادرةَ حق العبور.

-2-

هل بقيت للنظام فرصةٌ فعلاً؟ لا أظن، وما الأيام الأربعة التي مُنِحَهَا إلا لاستكمال مهلة الأسبوعين التي اتُّفق عليها من قبل. البند الأول من بنود القرار العربي (تعليق المشاركة) يعني أن النظام السوري صار خارج الجامعة عملياً، ولن يعود إليها إلا بقرار. ومن سيعيده إليها؟ الذين أطلق عليهم رشاش بذاءاته وأفلت على سفاراتهم غوغاء عصاباته؟ لا، لقد سبق القول.

مع ذلك ربما حاول النظام أن يناور ويداور، وهو ما يزال يشتغل بطلاء مدرعاته باللون الأزرق حتى اليوم! بل لقد بلغ به الهوان أن يدعو إلى عقد قمة عربية لحل الأزمة السورية و”يرحّب” بزيارة وفد من الجامعة إلى سوريا قبل السادس عشر من الشهر الجاري. أرأيتم؟ إنه يتوسل، لكن قدراته العقلية لم تتحسن بعد! هل يتصور أن تجتمع الجامعة العربية على مستوى الزعماء لتعيد له كرسيّه المسلوب؟ إنه يرسل نداءه الذليل في الوقت الضائع، فقد بدأت بالفعل التحركاتُ الدولية والمشاورات الضرورية في مجلس الأمن والجمعية العمومية باتجاه الحسم، وسوف يأتيه الخبر عما قريب.

إن النظام اليائس يستنفد اليومَ وسائلَه ويجرب الأساليب جميعاً، فمرة يتوعد ويهدد، ومرة يتذلل ويتوسل! ألم يأتكم نبأ توسله باليهود قبل أسابيع، حينما حاول أن يبيعهم السلام الدائم والجولان (أعني إصدار صك التمليك، فالذي باعه فعلاً هو أبوه)؟ ألم يأتكم نبأ اتصاله بالاستخبارات الفرنسية وتسليم معلومات اتصال القذافي، مما أتاح للناتو تحديد مكان الطاغية الصريع وضربه؟ إنه يتوسل ويسفح كرامته ويقدم الأضاحي التي لم يقدمها من قبل، ولم يدرك بعد، أو أنه لا يريد أن يدرك أن قرار الإعدام صدر بحقه ولم يبقَ إلا التنفيذ.

-3-

السفير (الشبيح الدولي) يوسف الأحمد فقد أعصابه تماماً وتجاوز كل الاعتبارات الدبلوماسية والأخلاقية في اجتماع وزراء الخارجية. لا غرابة، أليس شوكة من شجرة الشوك؟ ومن هو هذا الشبيح؟ اسألوا عنه سكان المالكي في دمشق وسوف ينبئونكم بالكثير. هو من مواليد القرداحة، دخل كلية الهندسة بالواسطة (كأمثاله، وكل السوريين يعرفون هذه القصص) حيث أمضى أحد عشر عاماً وهو يكتب تقارير عن طلاب الجامعة، ثم غادر الجامعة أخيراً كما دخلها. ولأنه تزوج عبير الأسد (ابنة جميل الأسد، شقيق حافظ) فقد صار الطريق أمامه مفتوحاً إلى وزارة النقل، وبعدما سرق كل ما يستطيع سرقته هناك عُيّن مندوباً لسوريا في جامعة الدول العربية! هذا هو الرجل الذي يمثل سوريا في جامعة العرب.

حسناً، بغضّ النظر عن مستواه الأخلاقي الذي بات معروفاً، لماذا فقد أعصابه لتلك الدرجة؟ الجواب قدمه لنا بعضُ من اطّلعوا على الأسرار. لقد ذهب الرجل إلى الاجتماع يوم السبت مطمئناً إلى مواقف جملة من الدول العربية، ومنها الجزائر ومصر والسودان، بالإضافة إلى الدول التي بقيت على تحفظها: لبنان واليمن والعراق. قبل ذلك، مساء الجمعة، اجتمعت اللجنة الوزارية التي تضم قطر (في الرئاسة) والجزائر والسودان وعُمان ومصر. لكن الاجتماع لم يكن عادياً، المفاجأة غير المتوقعة كانت مشاركة وزير الخارجية السعودي. السعودية ليست عضواً في اللجنة، فماذا جاء يفعل؟ سأكرر ما قلته في مقالتي السابقة: سعود الفيصل ليس وزير خارجية كأي وزير آخر، بل يكاد يزيد وزنه على وزن كثير من رؤساء الدول؛ اقرؤوا ما كتبته عنه في تلك المقالة. لماذا شارك وماذا فعل؟ لا أعلم التفاصيل، ولكن العارفين قالوا إن وجوده غيّر موقفَي مصر والجزائر من الامتناع إلى القبول. السودان كان قد غير موقفه أيضاً بعد زيارة وفد من المجلس الوطني للسودان خلال اليومين الماضيين، وهكذا أُحكم تدبير المشروع بِلَيل، فلما جاء يوسف الأحمد إلى الاجتماع نهاراً فوجئ بالحبل يلتف على رقبته!

-4-

نعم، النظام يدرك أن الحبل يزداد التفافاً حول رقبته، حتى الجَهَلة من أتباعه وعبيده أدركوا أن نهايتهم باتت وراء باب الغد القريب. ألم تروا هياجهم وجنونهم من أمس إلى اليوم؟ في الفضائيات وصفحات الإنترنت، وعلى الأرض في دمشق المحتلة وفي مدن الساحل، اللاذقية وبانياس وجبلة وقراها؟ بل وخارج سوريا أيضاً؟ راقبوهم وتابعوا التفاصيل، وكلما زاد التهور والجنون ستعلمون كم باتوا قريبين من خط النهاية. هذه بعض علامات تهورهم وجنونهم من أمس إلى اليوم:

جمال المحمود (على قناة الدنيا) دعا الجيش السوري إلى قصف حمص وريف حمص وحماة وريف حماة وإدلب وريف إدلب لإنهاء الأزمة، وطالب إيران بتحريك الشيعة في السعودية. طالب إبراهيم: أمن مكة وأمن الرياض من أمن دمشق. شريف شحادة: لا يظن أحد في الخليج أنه سينام آمناً في بيته وشجرة في سوريا تحترق، الحرب على سوريا ستشعل المنطقة كلها. الأمن القطري يوقف خليّة بحرينية كانت تخطط لعمليات إرهابية في البحرين. الكشف عن مخطط لاستهداف جسر الملك فهد بين البحرين والسعودية ومبنى وزارة الداخلية البحرينية والسفارة السعودية في المنامة.

حالة فوضى كبيرة تعم مدينة اللاذقية وهجوم الشبيحة والمؤيدين على القنصلية التركية وإنزال العلم وحرقه. حرق وتكسير القنصلية الفرنسية في اللاذقية. اقتحام السفارتين السعودية والقطرية في دمشق. السفارة المصرية تتعرض لاقتحام بعد سفارتَي السعودية وقطر. ميليشيات الشبيحة تجتاح أحياء السنة في أغلب مدن الساحل، ولا سيما في اللاذقية.

وهذه بعض النتائج العاجلة، وهي مؤشرات على الانهيار الوشيك: تركيا تستدعي القائم بالأعمال السوري في أنقرة بعد مهاجمة بعثاتها في سوريا. باريس تستدعي السفير السوري بعد الهجوم على سفارتها في دمشق. إجلاء عائلات البعثة الدبلوماسية التركية من سوريا. سفارة الإمارات في دمشق تطلب من رعاياها مغادرة سوريا فوراً، جواً أو براً عن طريق لبنان أو الأردن أو تركيا. وفيما كنت أتأهب لنشر المقالة: تركيا تغلق سفارتها في دمشق وتطلب من جميع رعاياها مغادرة سوريا بأقصى سرعة ممكنة.

-5-

خلاصة الموقف في بضع كلمات: النظام السوري يوشك أن يدخل في نفق الموت، النفق الذي دخله غيرُه من قبل واقفاً على رجليه ثم خرج جثة محمولة على الأعناق، وما خبر نظامَي صدّام والقذافي ببعيد.

لقد رُفع الغطاء العربي عن النظام، وصار الاعتراف بالمجلس الوطني أمراً شبهَ واقع بعد دعوة المعارضة إلى الاجتماع في مقر الجامعة العربية (البند السادس من بنود القرار)، بل ربما أعلنت الجامعة أو بعضُ دولها الاعترافَ بالمجلس رسمياً خلال أيام. لو تأملنا قرار الجامعة العربية فسوف ندرك أن ذلك البند يعني الاعتراف الضمني بالمعارضة، ومع ذلك فإنه ليس أهم البنود، البند الأهم والذي له ما بعده هو البند الثاني.

أنا أرى أن البند الثاني هو النقطة المحورية في الأمر كله، وأكاد أجزم أن تحرك الجامعة من أساسه كان للوصول إلى هذا البند تحديداً: “توفير الحماية للمدنيين السوريين وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة”. شطر البند الأول لا قيمة له (توفير الحماية للمدنيين بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية)، إنما كُتبت هذه الجملة من باب المجاملة فقط، المهم هو الشطر الثاني: “في حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة”.

هل تتخيلون فرصة لتوقف القتل؟ أي فرصة، ولو بنسبة واحد في الألف؟ لو أن شخصاً واحداً قُتل في الشارع بعد السادس عشر من الشهر فإنه مبرّر كافٍ لنقل الملف إلى الأمم المتحدة، ونحن نعلم يقيناً أن العشرات سيستمرون في الارتقاء إلى السماوات -شهداء بإذن الله- في كل يوم.

سوف يصل الملف السوري إلى الأمم المتحدة لا محالة والله أعلم، وسوف نسمع على الفور عن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وأي شيء بعد ذلك سيكون متوقعاً.

إنها الحرب، لا أرى من وراء حجاب الأيام القادمة سواها، أما كيف تكون فلا يعلم إلا الله. الناس يستطيعون فقط أن يجتهدوا في التفكير ويتخيلوا أقرب الاحتمالات،
وهذا ما سأحاول أن أصنعه في مقالة الغد بإذن الله.