معشر العلماء .. صمتكم فتنة – محمد ضياء الدين صابوني

ليست هذه رسالة من عالم ند لكم ، ولا هي من سياسي ربما لا يعرف قدركم ، إنما هي من تلميذ جلس زمنا بين أياديكم، ينهل من علومكم ، ويغرف من أنواركم ، ويعرف لكل منكم قدره ، جالس الصوفية حتى ارتوى من كوثر أذكارهم وعجيب روحانيتهم ، ورافق السلفية حتى تعلم شدتهم في الحق وقوة حجتهم ، ثم تقلب بين جامعات الجوامع يأخذ من المقرئ والمحدث والفقيه ، يستقي العلم منهم لا لأجل العلم وحده ، وإنما ليتعلم احترامهم وإجلالهم وتعظيم قدرهم ، غير أنه بعد كل ما وصفت لا يقدس أحدا منهم قداسة تنزهه عن الخطأ وتبرئه من الخطيئة ، وهذا الذي أجرأه على الكتابة إليكم .. فأقول:


جزى الله عنا علماء حق عملوا بما علموا ، ونطقوا بما فهموا ، وأوذوا فما استكانوا ولا ضعفوا ولا ندموا ، هم الأولياء صدقا ، والمهابون حقا .. أما بعد:
نعم يا سادتي ، إن صمت الصامتين منكم فتنة ، ولا أدري كيف أقنَعكم هواكم أن ما يحدث فتنة ، وأنه زمان لا يدري فيه القاتل فيم قَتل والمقتول فيم قُتل ؛ وأنتم تعلمون أن القاتل سفاح سفاك ما فتئ يستعبد الناس وأن المقتول امرؤ ضعيف لم يطلب من قاتله إلا كرامته !

وكيف رأت أعينكم أنها شبهة بين حق وباطل من اجتنبها فقد استبرأ لدينه وعرضه ؟! وأنتم ترون أن القاتل قد احتقر الدين وانتهك العرض ولم يدع شيئا من الموبقات إلا فعله ، ولا شيئا من المحرمات إلا استحله !
أأتلو عليكم كلام الله وأنتم أقرأ الناس له ؟ أم أحدثكم بحديث رسول الله وأنتم أفقه الناس به ؟ أم أسوق لكم قصصا أنتم من حكيتموها لنا عن علماء حق لم يخافوا في الله لومة لائم ؟!
كيف قدّرتم المصالح والمفاسد وقد استبيحت ضرورات الحياة الخمس ؟! وأي خوف يمنع العالِم المتبَع عن بيان الحق لمتبعيه ؟

أفتوني في أمركم بدل أن تفتنوني ، أأعجبكم خِطبة الناس لخُطبكم على المنابر ففُتنتم بهم ؟ أم بُلِّغتم أنكم بلغتم من الإيمان ما لم يبلغه الناس ففَتنتموهم ؟ أم هو الحرص على المنبر كحرص الطاغية على عرشه ؟

فاعلموا إذن أن المنبر منارة ، وأنه لا بد للمنارة من حارس أمين يحرص على أن يبقي شعاعها دليلا للتائهين ورادعا للمعتدين ، فإذا غفل هذا الحارس أو خان الأمانة أتى الناس بغيره حفاظا على حدودهم ومصالحهم ، ولن يشفع له حينئذ سهره الليالي الطوال في خدمة منارتهم كما أننا لن نشفع لكم صمتكم ، إذ لا حياد في الحق. وإن تفشى الجهل بين الناس فبتجاهلكم لهم ولضرورات معايشهم ، وإن اتبعوكم على غير هدى كان عليكم من الوزر مثل ما عليهم لا ينقص من أوزارهم شيء.

فاحزموا أمركم واجمعوا كلمتكم وكونوا السابقين ، ولا تجعلوا "المستقبل المجهول" حجتكم ، فكما خرج أحرار الناس من الجوامع يطلبون الحق ويهتفون له ؛ فليخرج من الجوامع كذلك بناة المستقبل وقادته ، ولتعد للمسجد منزلته وهيبته منهجا ودستورا وجامعة للعلوم والفضائل كلها.
واعلموا أنه ليس المُحِقّ من إذا تكلم أوقع في النفس هيبته ، إنما المُحِقّ من إذا تكلم أثبت على العقل حجته.
فلا هيبة لمن لا حجة له !
..
والسلام
كتبه / محمدضياءالدين صابوني
16-11-2011