كان عليه السلام - مثلنا - يتفجّر غيظا من الأوثان , و الجهل المقدّس , و كانت تسكنه الحيرة كيف يحطم هذا الصنم من قلوب المقيّدين بوهمه ... ليملك أن يحطمه من الأرض
و كان عليه السلام - مثلنا - يبكي أمام الناس حين تغمره الحقيقة , أو يرى الموت جهرة في عيني يتيمة , لم يكن يعرف اليوتيوب , كان يعرف الشهداء من رائحة الجنّة ... و دموعه !
و كان عليه السلام - مثلنا - يصرّ على أن يرى في أحلك العتمات شمسا متوارية !
لم ييأس من الحقّ يوما , و كان يعرف يقينا أنّ الكلمة أقوى ولو وقفت وحيدة أمام القبائل و السيوف و حجارة السفهاء , لأنّه كان يعلم أنّ في الإنسان حنينا أزليّا نحو الإنسان فيه مهما غشّت وعيه الأقنعة : أقنعة العادات\الثروة\السلطة\الكسل ...
و كان عليه السلام , يرتوي بالصبر في ظمأ الأمل , حمل الرحمة و أنذر بالحقيقة و ابتدأ بالقراءة .. كان يلزم للمعرفة أن تكون البداية لينتهي إلى الإنسان .
و كان عليه السلام -مثلنا - لا تقتل همّته كثرة الباطل , و ينادي بالعالم : هلمّوا إلى المعنى , ليستنقذه من الضياع , و كان الهواء الذي سكنه العفن يشفى مرّة بعد مرّة بخطابه و يرنّحه الندى : " الناس سواسية كأسنان المشط , و لا تزر وازرة وزر أخرى , و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا , و لقد كرّمنا بني آدم , حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه , النساء شقائق الرجل, أعظم الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر , أمّك ثمّ أمّك ثمّ أمّك , فليغرسها ! , كلّكم لآدم ... و آدم من تراب .... "
و كان عليه السلام - مثلنا - لا تغيّر كلامه سفارات الروم و الفرس و أسياد العرب , يدعو إلى الحقّ و الإحسان و الإنسان , و يرسل إلى العالمين , ليبحثوا حول الحقيقة في مسجده على الحصا و التمر : قرب المحاورة يطوي بعد العقائد !
هتف في الخلائق : وحده الله , و أنتم جميعا بشر ... سواء
في وجه من قسموا الخليقة إلى مراتب .. بعضهم عبيد بعض ..
و كان عليه السلام , يكره المُلك و الامبراطوريّات , و يرثي للمؤمنين بمراسم التعظيم لبشر فوق البشر , و يأسى على من كلّ بضاعته في الدنيا أن يغرف من كرامته لصحن الموهومين بالعظمة , كم كان يعرف أنّ الاستبداد و التوحيد , مثل القرآن و الرجس ... مثل الحقيقة و الاستحمار .... محال أن يجتمعا
و كان عليه السلام يحمل أقدس شعلة للبشريّة و نداء الحقيقة الأخير من السماء ... و يطوي بين جنبيه كلام الإله , ذاك الجسد الذي حمل أمل البشريّة بالخلاص بما فيها من فقراء و عبيد و و محرومين و منسيّين , هو نفسه الجسد الذي كشف عنه ليطلب ممّن ضربه خطأ أن يقتصّ منه !
و كان عليه السلام - مثلنا - يعرف أنّ اليد التي تموسق بمديحه الموشّحات في حضرة المجزرة تنتمي لأبي لهب , و اليد الأخرى التي انشغلت عن تذكّره إذ رفعت كلمة " لا " في وجه الدجل و الاستبداد و الذلّ .. هناك في بابا عمرو و الخالديّة و دوما و درعا و إدلب ... إنّما كانت يده !
و كان عليه السلام ثائرا
صلّوا عليه ,
كم علينا أن نكون لنستحقّه ... !
أحمد ابازيد