بسم الله الرحمن الرحيم اولاَ:(الأسباب
الحاملة على العشق على سبيل الإجمال
)




وبعد أن تبين خطر العشق، وعظيم جنايته، وكثرة الأضرار الناجمة عنه،
والمظالم الحاصلة من جرائه، وقبل الدخول في الحديث عن وجوب التوبة منه، وذكر
الأسباب المعينة على ذلك_لابدّ من الوقوف على الأسباب الحاملة على العشق، والمحركة
له; ذلك أن العشق ينشأ، ويثور إذا وجدت محركاته ومهيجاته; فهناك أسباب تثير العشق،
وتبعثه، بل وتسوق إليه سوقاً، وتجرّ إليه جراً. وفيما يلي ذكر لبعض تلك الأسباب:
1_الإعراض عن الله_عز وجل _:
ذلك أن في الله عوضاً عن كل شيء، وأن من عرف
الله_عز وجل_جمع قلبه عليه، ولم يلتفت إلى محبوب سواه. 2_الجهل بأضرار العشق:
وقد مرَّ شيء من أضراره، ; فمن لم يعرفها أوشك أن يقع في ذلك الداء. 3_الفراغ: فهو
من أعظم الأسباب الحاملة على العشق. قال ابن عقيل وما كان العشق إلا لبطال،وقلَّ
أن يكون في مشغول ولو بصناعة، أو تجارة; فكيف بعلوم شرعية، وقال ابن عبد البر عن
العشق فقال: =شُغل قلب فارغ. وقال غيره هو سوء اختيار صادف نفساً فارغة ومن الفراغ
أيضاً فراغ القلب من محبة الله عز وجل قال ابن القيم وعشق الصور إنما تُبتلى به
القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، والمتعوضة بغيره عنه; فإذا امتلأ
القلب من محبة الله، والشوق إلى لقائه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور وقال: ومن أعظم
الأشياء ضرراً على العبد بطالته، وفراغه; فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم
يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولا بد4)وسائل الإعلام: سواء كانت
مسموعة، أو مرئية، أو مقروءة; فوسائل الإعلام لها قدرة كبيرة على الإقناع،وصياغة
الأفكار، ولها تأثير بالغ في قيادة الناس إلى الهاوية إذا هي انحرفت; فالصحافة
تسهم في إذكاء نار العشق من خلال ما تعرضه من الصور الفاتنة، ومن خلال احتفائها
بأهل العشق، وتتبع أخبارهم وشذوذاتهم. إما في الدواوين الشعرية المليئة بشعر الغزل
الفاضح الصريح. او في الكتب التي تتحدث عن الجنس بصراحة، حيث يذكر بعضهم بكل وقاحة
مغامراته العاطفية، ومراهقاته مع معشوقاته دونما حياء أو أنفة، فيظل يستره الله،
ويأبى إلا كشف الستر ، فإذا كان ممن يشار إليهم بالبنان كان له تأثير لدى بعض
الجهلة ممن يحاولون محاكاته، والسير على منواله. ومثل ذلك في الأجهزة المرئية; فهي
الترجمان الناطق عملياً لما تتضمنه القصص والروايات الفاجرة5_التقليد الأعمى:
فمن الناس من يقرأ قصص أهل العشق وأخبارهم، أو يستمع إلى الأغاني المشتملة على ذكر
العشق والهيام، والصبابة، أو يقرأ القصائد التي تنسج على منوال أهل العشق. وربما
رأى من حوله يبثون الشكاة واللوعة من العشق عبر الشعر أو الكتابة; فترى هذا
الغِرَّ يتأثر بما يسمع، وما يرى حوله، فيبدأ بمحاكاة أهل العشق، فيزعم أنه قد وقع
بما وقعوا فيه، وأن العشق قد أمَضَّه وأضناه، وربما عبر عن ذلك شعراً. وما هي إلا
مدة حتى يتمادى به الأمر، فيقع في أعماق العشق، فيعزّ خلاصه، ويصعب استنقاذه. *
ومما ينسب للمأمون قوله في هذا المعنى:



أول العشق
مزاح وولع ثم
يزداد فيزداد الطمع



6_الانحراف
في مفهوم الحب والعشق:
فمن أعظم
أسباب العشق الانحراف في مفهومه; حيث يُظن أنْ لا عشق ولا حب إلا ذاك الذي يعمي
صاحبه، ويجعله سادرًا في غيّه، لا يكاد يفيق من سكره. فيرى أولئك أن الحب هو ذاك
فحسب، وأن من وقع فيه نال فضيلة الحب من رقَّةٍ، وظرفٍ، ولطافة، وكرم، ونحو ذلك. ومن
لم يعشق، ويحبَّ ذلك الحبَّ فهو جامد الطبع، متبلد الإحساس، خالٍ من العواطف،
متجردٌ من الفضائل، ولا ريب أن المتجرد في عواطف الحب بليد الطبع، قاسي القلب،
متجرد من أسمى الفضائل. ولكنَّ حصرَ الحبِّ والعشق في زواية حُبِّ الصور
المحرمة_جهل وانحراف; ذلك أن مفهوم الحب أوسع، ودائرته أعمّ، وصوره أشمل. وما عشق
الصور المحرمة إلا زاوية ضيقة من زوايا الحب، بل هي أضيقها، وأضرها; فلقد غاب عن
هؤلاء أن هذا العشق نقطة في بحر الحب، وغاب عنهم حب الوالدين، وحب الأولاد، وحب
المساكين، وحب الزوجة، وحب الفضائل، والمكارم، وحب المعالي والمروءات، وحب الطهر،
والعفة، والشجاعة، وحب الصداقة، وحب الطبيعة، وغاب عنهم حب اللذات العقلية وهي
أرقى وأسمى وألذ من اللذات الجسدية، وألذها لذة العلم، وما يتفرع عنه. ولهذا يجد
أهل العلم من اللذة في العلم، ما لا يحاط به، أو يقدر على وصفه. يقول الإمام
الشافعي مبينًا عظيم اغتباطه بالعلم، ولذته، وفرحه به:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل
غانية وطيب عناق



وصرير
أقلامي على صفحاتها أحلى
من الجماع و العشاق



وألذ من
نقر الفتاة لدفها نقري
الحبر على أوراقي



بل لقد غاب عنهم أعظم الحب، وأشرفه، وأنفعه، وأجمله، وأجله، وأكمله،
وأبهاه، وهو حب الله عز وجل فهو أصل المحابِّ المحمودة، بل كل محبة محمودة إنما هي
متفرعة عن ذلك.
7_الاغترار ببعض الأقوال التي تبيح العشق: فبعض الناس قد يستهين بشأن العشق ومن ثم يقع في العشق ، ثم يلاقي
ويلاته ومراراته ،وذلك بحجة أن بعض العلماء
ذكر أقوال أهل العشق، وذكر قصصهم وأخبارهم، أو غير ذلك
فيقال لهم إنما كان ذلك منهم من باب الاستشهاد، وتصوير الحال.
8_التهتك والتبرج والسفور:
فذلك من أعظم محركات العشق; فهو سبب للنظرات
الغادرة، التي تعمل عملها في القلب. 9_إطلاق البصر: فبداية العشق في الأغلب
تكون عند النظر إلى المحاسن; فالعين مرآة القلب، وإطلاق البصر يورث المعاطب; فإذا
أطلق الإنسان بصره أطلق القلب شهوته، ومن أطلق بصره دامت حسرته; فأضر شيء على
القلب إرسال البصر; فإنه يريه ما يشتد طلبه له، ولا صبر له عنه، ولا سبيل إلى
الوصول إليه، وذلك غاية ألمه، وعذابه. ثم إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس كما
جاء في الحديث وشأن السهم أن يسري في القلب، فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه
المسموم، فإن بادر، واستفرغه، وإلا قتله ولابد. وكذلك النظرة فإنها تفعل في القلب
ما يفعله السهم في الرمية; فإن لم تقتله جرحته. والنظرة بمنزلة الشرارة التي ترمى
في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه والناظر يرمي من نظره بسهام
غَرضُها قلبه وهو لا يشعر، (10) المعاكسات الهاتفية: فهي من أعظم ما يجر إلى
العشق; فقد تكون الفتاة حَصَنًا حصينا رزيناً لا تُزْنُّ بريبة، ولا تحوم حولها
شبهة، وهي من بيت طهر وفضيلة، قد جلله العفاف، وأُسْدِل عليه الستر. فما هي إلا أن
تتساهل في شأن الهاتف، وتسترسل في محادثة العابثين حتى تقع فيما لا تحمد عقباه،
فربما وافقت صديقاً يغْترُّها بمعسول الكلام، فَتَعْلَقُه، وتقع في أشراكه;. ولا
يخفى أن الأذن تعشق قبل العين أحياناً. وربما زاد الأمر عن ذلك، وربما كانت المبادرة من بعض الفتيات; حيث تمسك
بسماعة الهاتف، وتتصل بأحد من الناس إما أن يكون مقصوداً بعينه، وإما أن يكون
الاتصال خبط عشواء; فتبدأ بالخضوع له بالقول،.فيَسَّتجُر الفتاة حتى يوقعها في
حباله فإذا وافق غرتها مكر بها، وتركها بعد أن يلبسها عارها والحامل على المعاكسات
في الغالب تساهل كثير من الناس في شأن الهاتف، أو الجهل بعواقب المعاكسات، أو من
باب التقليد الأعمى، أو حب الاستطلاع، أو غير ذلك من الأمور التي يجمعها الجهل،
وعدم النظر في العواقب، وقلة المراقبة لله تعالى والحديث عن المعاكسات الهاتفية
وما تجرّه من فساد يطول ذِكْرُه، وليس هذا مجال بسطه. والمقصود من ذلك الإشارة إلى
أن المعاكسات الهاتفية من أعظم الأسباب التي تقود إلى العشق والتعلق; فسَدُّ هذا
الباب واجب متعين.







بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image003















بسم
الله
(كيفية التوبة
من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه
)




فعلى من وقع في العشق أن يتوب إلى الله عز وجل سواء كان عاشقاً، أو
معشوقاً، أو معيناً على ذلك. فتوبة العاشق تكون بترك العشق، والعزم والمجاهدة على
ذلك، وبألا يُظْهر أمرَه، ولا من ابتلي بعشقه; فلا يذكره، ولا يشبِّبُ به، ولا يسير
إليه، ولا يمد طرفه إليه، وأن يقطع الصلاتِ المُذَكِّرةَ به، وأن يأخذ بالأسباب
المعينة على ذلك، وأن يصبر على ما يلاقيه خصوصاً في بداية أمره. وعلى المعشوق أن
يتوب إلى الله إن كان مشاركاً، أو متسبباً في غواية العاشق; فيتوب إلى الله من
استمالة العاشق، والتزين له، والتحبب إليه، واللقاء به، ومحادثته، ومراسلته. وعلى
من أعان على العشق بالتقريب بين العاشقين بالباطل أن يتوب إلى الله، وأن يدَعَ ما
كان يقوم به، وأن يعلم أن ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وأنه بذلك يذكي أوار
العشق، ويسعر نيرانه; فهو يفسد أكثر مما يصلح، وسعيه مأزور غير مشكور; فعمله ليس
من عمل الخير، ولا من ارتكاب أخف الضررين; لدفع أعلاهما. بل إن هذه المفسدة تجر
إلى هلاك القلب، وفساد الدين، وأي مفسدة أعظم من هذه ? وغاية مفسدتة في مواصلة المعشوق سقم الجسد أو الموت; تفادياً عن
التعرض للعرض وإلا فالغالب أذ تاب تكون عاقبته نجاة وسلامة. فمع عظم شأن العشق،
وصعوبة الخلاص منه إلا أن ذلك ليس متعذراً ولا مستحيلاً; فلكل داء له دواء، ولكن
الدواء لا ينفع إلا إذا صادف مَحَلاً قابلاً; فإذ اقصد المبتلى بهذا الداءِ
الشفاءَ، وسعى إليه سعيه وفق لما يريد، وأعين على بلوغ المقصود، وإلا استمر على
بلائه، بل ربما زاد شقاؤه. يقول ابن الجوزي إنما يُوصف الدواء لمن يقبل; فأما
المخلِّط فإن الدواء يضيع عنده وفيما يلي ذكر لبعض الأسباب المعينة على ترك
العشق)
1_الإخلاص الله عز وجل
فالإخلاص أنفع الأدوية، فإذا أخلص المبتلى
بداء العشق، وصدق في توجهه إلى ربه أعانه الله، وأمده بألطاف لا تخطر له ببال،
وصرف عنه كلَّ ما يصده عن توبته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية فإن القلب إذا ذاق طعم
عبادة الله، والإخلاص له لم يكن عنده شيء قطُّ أحلى من ذلك، ولا ألذ، ولا أمتع،
ولا أطيب. والإنسان لا يترك محبوباً إلا بمحبوب آخر يكون أحبَّ إليه، أو خوفاً من
مكروه; فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر. قال
الله تعالى في حق يوسف:
[كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ
السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ]
فالله يصرف عن عبده ما يسوؤه من الميل إلى الصور، والتعلق بها، ويصرف
عنه الفحشاء بإخلاصه لله. ولهذا يكون العشق قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله،
والإخلاص له بحيث تغلبه نفسه على إتباع هواها; فإذا ذاق طعم الإخلاص، وقوي في قلبه
انقهر بلا علاج وقال وإذا كان العبد مخلصًا لله اجتباه ربه، فأحيا قلبه، واجتذبه
إليه، فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، وما يخاف من ضد ذلك. بخلاف القلب
الذي لم يخلص لله; فإن فيه طلباً، وإرادة، وحبَّاً مطلقاً، فيهوى كل ما يسمح له،
ويتشبث بما يهواه كالغصن أي نسيم مرَّ به عطفه وأماله 2_الدعاء: والتضرع
إلى الله عز وجل وصدق اللجأ إليه، والإخلاص له، وسؤاله السلوَّ; فإن المبتلى بهذا
الداء مضطر، والله يجيب المضطر إذا دعاه، والدعاء عدو البلاء، يدافعه، ويعالجه،
ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل. 3_غض البصر: فغض البصر يورث
الراحة، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، قال تعالى:[قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
أَزْكَى لَهُمْ
].قال ابن تيمية فجعل سبحانه غض البصر وحفظ الفرج هو
أقوى تزكية للنفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش، والظلم،
والشرك، والكذب وغير ذلك وقال ابن الجوزي والواجب على من وقع بصره على
مُسْتَحْسَن، فوجد لذة تلك النظرة في قلبه أن يصرف بصره; فمتى ما تَثَبَّت في تلك
النظرة، أو عاود وقع في اللوم شرعاً وعقلاً. فإن قيل: فإن وقع العشق بأول نظرة فأي
لوم على الناظر? فالجواب: أنه إذا كانت النظرة لمحة لم تكد توجب عشقاً، إنما يوجبه
جمود العين على المنظور بقدر ما تثبت فيه، وذلك ممنوع منه، ولو قدَّرنا وجوده
باللمحة; فأثَّر محبتةً سَهُلَ قمعُ ما حصل له إلى أن قال: فإن قيل فما علاج العشق
إذا وقع بأول لمحة? قيل: علاجه الإعراض عن النظر; فإن النظر مثل الحبة تلقى في
الأرض; فإذا لم يلتفت إليها يبست، وإن سقيت نبتت فكذلك النظرة إذا ألحقت بمثلها
فإن جرى تفريط بإتْباع نظرة لنظرة فإن الثانية هي التي تخاف وتُحذر; فلا ينبغي أن
تحقر هذه النظرة; فربما أورثت صبابةً صبَّت دَمَ الصبِّ وقال ابن القيم فعلى
العاقل ألا يحكِّم على نفسه عشق الصور; لئلا يؤدِّيه ذلك إلى هذه المفاسد، أو
أكثرها، أو بعضها; فمن فعل ذلك فهو المفرط بنفسه، المغرور بها; فإذا هلكت فهو الذي
أهلكها; فلولا تكراره النظر إلى وجه معشوقه، وطمعه في وصاله لم يتمكن عشقُه من
قلبه وقد يقول بعض الناس: إذا نظرت نظرةً، فاشتد تعلقي بمن نظرت إليه; فهل لي أن
أكرر النظر; لعلي أراه دون ما في نفسي; فأسْلُوَ عنه? والجواب: أن ذلك من
تلبيس الشيطان، ولا يجوز هذا الصنيع; لعشرة أوجهأحدها: أن الله_سبحانه أمر
بغض البصر، ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد. الثاني: أن النبي"
سُئِل عن نظر الفجأة، وقد علم أنه يؤثر في القلب; فأمر بمداواته بصرف البصر، لا
بتكرار النظر. الثالث: أنه صرح بأن الأولى له، وليست له الثانية، ومحالٌ أن
يكون داؤه مما له، ودواؤه فيما ليس له. الرابع: أن الظاهر أن الأمر كما رآه
أول مرة; فلا تحسن المخاطرة بالإعادة. الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي
في نفسه; فزاد عذابه. السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم في
ركائبه، فَيُزَيِّنُ له ما ليس بحسن; لِتتمَّ البلية. السابع: أنه لا يعان
على مطلوبه إذا أعرض عن امتثال أمر الشرع، وتداوى بما حرَّمه عليه، بل هو جدير أن
تتخلف عنه المعونة. الثامن: أن النظرة الأولى سهمٌ مسموم من سهام إبليس،
ومعلوم أن الثانية أشدُّ سُمَّاً; فكيف يتداوى من السم بالسم?! التاسع: أن
صاحب هذا المقام في مقام معاملة الحق عز وجل في ترك محبوب كما زعم وهو يريد
بالنظرة الثانية أن يتبين حال المنظور إليه; فإن لم يكن مَرْضِيَّ تركه; فإذاً
يكون تَرَكَه; لأنه لا يلائم غرضه، لا لله تعالى فأين معاملة الله سبحانه بترك
المحبوب لأجله?! العاشر: يتبين بضرب مثلٍ مطابقٍ للحال، وهو أنك إذا ركبت
فرساً جديداً، فمالت بك إلى درب ضيِّق لا ينفذ، ولا يمكنها أن تستدير فيه للخروج;
فإذا همَّت بالدخول فيه فاكبحها; لئلا تدخل; فإذا دخلت خطوة أو خطوتين فَصِحْ بها
وردَّها إلى وراءٍ عاجلاً قبل أن يتمكن دخولها، فإذا رددتها إلى ورائها سَهُل
الأمر، وإذا توانيت حتى ولَجَتْ، وسقتها داخلاً ثم قمت تجذبها بذنبها عسُر عليك أو
تعذر
خروجها; فهل يقول عاقل: إن طريق تخليصها سوقُها إلى داخل?! فكذلك
النظرة إذا أثَّرت في القلب; فإن عجَّل الحازم، وحسم المادة من أولها سَهُل
علاجُه، وإن كرَّر النظر، ونقَّب عن محاسن الصور، ونقلها إلى قلب فارغ، فنقشها
فيه_تمكنت المحبة، وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة; فلا تزال شجرة
الحب تنمو حتى يفسد القلب، ويُعرض عن الفكر فيما أمر به; فيخرج بصاحبه إلى المحن،
ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن، ويلقي القلب في التلف. والسبب في هذا أن الناظر
الْتَذَّتْ عينه بأول نظرة; فطلبت المعاودة، ولو أنه غض أولاً لاستراح قلبه، وسلم.
هذا وإن لغض البصر فوائدَ عظيمةً منها: الفائدة الأولى: تخليص القلب من ألم
الحسرة. الفائدة الثانية: أنه يورث القلب نوراً، وإشراقاً يظهر في العين،
وفي الوجه، وفي الجوارح. الفائدة الثالثة: أنه يورث صحة الفراسة; فإنها من
النور وثمراته، وإذا استنار القلب صحت الفراسة; لأنه يصير بمنزلة المرآة
المجلُوَّة تظهر فيها المعلومات كما هي، والنظر بمنزلة التنفس فيها; فإذا أطلق
العبد نظره تنفست نفسه الصعداء في مرآة قلبه، فطمست نورها،والله سبحانه وتعالى
يجازي العبد على عمله بما هو من جنسه; فمن غضَّ بصره عن المحارم عوَّضه الله إطلاق
بصيرته; فلما حبس بصره الله أطلق نور بصيرته، ومن أطلق بصره في المحارم حبس لله
عنه بصيرته.







بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image004 الفائدة الرابعة: أنه يفتح له طرق العلم، وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور
القلب; فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشفت له بسرعة، ونفذ من
بعضها إلى بعض. ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه، وأظلم، وانسدَّ عليه باب العلم،
وطرقه. الفائدة الخامسة: أنه يورث قوة القلب، وثباته، وشجاعته; فَيُجْعَل
له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة. الفائدة السادسة: أنه يورث القلب سرورًا،
وفرحاً، وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر; وذلك لِقَهْرِه عَدُوَّه
بمخالفته، ومخالفة نفسه، وهواه. ثم إنه لما كفَّ لذته، وحبس شهوته وفيها مسرَّةُ
نفسه الأمَّارة بالسوء أعاضه الله مسرةً، ولذة أكمل منها كما قال بعضهم: والله
للذَّةُ العفة أعظم من لذة الذنب. ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك
فرحاً، وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهما، وها هنا يمتاز
العقل من الهوى. الفائدة السابعة: أنه يخلص القلب من أسرْ الشهوة; فإن
الأسير هو أسير شهوته، وهواه. الفائدة الثامنة: أنه يسدُّ عنه باباً من
أبواب جهنم; فإن النظرة باب الشهوة الحاملة على مواقعة الإثم. الفائدة التاسعة:
أنه يقوي العقل، ويزيده، ويثبته; فإن إطلاق البصر، وإرساله لا يحصل إلا من خفة
العقل، وطيشه، وعدم ملاحظته للعواقب لفائدة العاشرة: أنه يخلص القلب من
سُكر الشهوة، ورقدة الغفلة.. فعلى من يريد السلامة لنفسه أن يغضَّ طرفه
عمّا تشتهيه نفسه من الحرام، وليكن له في ذلك الغضِّ نيةٌ يحتسب بها الأجر، ويكتسب
بها الفضل، ويدخل في جملة من نهى النفس عن الهوى. 4_التفكر والتذكر: وذلك
باب واسع جداً، والمقام لا يتسع إلا لأقل القليل; فليتفكر العاشق في خطواته إلى
لقاء محبوبه، وأنها_مع ما فيها من ضم جراح إلى جراح_مكتوبة عليه، وهو مطالب بها.
وليتفكر في مكالمته محبوبَه; فإنه مسؤول عنها، مع فيها من إلهاب نار الحب.
وليتذكرْ هادم اللذات، وشدة النزع، وليتفكر في حال الموتى الذي حبسوا على أعمال
تجاوزوا فيها; فليس منهم من يقدر على محو خطيئة، ولا على زيادة حسنة; وليتصور
عَرْضَه على ربه، وتخجيله له بمضيض العتاب. وليتخيل شهادة المكان الذي وقعت فيه
المعصية. وليمثل في نفسه إذا خف ميزانه كيف يؤمر به إلى النار التي لا طاقة لمخلوق
بها. وليتصور نفاد اللذة، وبقاء العار والعذاب. وليتذكر أنه لا يرضى لأحد من
محارمه أن يكون معشوقاً، إذا كان ذا غيرة; فكيف يرضى ذلك المصير لغيره?!
5_البعد عن المحبوب المعشوق:
فكل بعيد عن البدن يؤثِّر بعدُه في القلب; فليصبر
على البعد في بداية الأمر صبر المصاب في بداية مصيبته، وليبتعد عن المحبوب، فلا
يراه، ولا يسمع كلامه، ولا يرى ما يذكِّره به. ثم إن مرَّ الأيام يهون الأمر،6_الاشتغال
بما ينفع:
فقد مرَّ قبل قليل أن من أسباب العشق الفراغَ; لذلك فكل ما يشغل
القلب من المعاش، والصناعات، والقيام على خدمة الأهل، ونحو ذلك_فإنه يسلي العاشق;
لأن العشق شغل الفارغ كما مر.فهو يمثل صورة المعشوق في خلوته; لشوقه إليها; فيكون
تمثيله لها إلقاءًا في باطنه; فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب درس
الحبُّ، ودثر العشق، وحصل التناسي. 7_الزواج: ولو بغير من عشقها; فإن في
الزواج كفايةً وبركة وسلوة. وإن كان متزوجاً فليكثر من الجماع; فإنه دواء. =ووجه
كونه دواءًا أنه يقلل الحرارة التي منها ينتشر العشق، وإذا ضعفت الحرارة الغريزية
حصل الفتور، وبرد القلب; فخمد لهب العشق فإن كان المعشوق امرأة يمكن الزواج بها
فليفعل; فذلك من أنفع الدواء; لأن النكاح يزيل العشق، وإن تعسر فليلجأ إلى الله في
تسهيله، وليعامله بالصبر على ما نهى عنه، فربما عجل مراده. وإن عجز عن ذلك، أو كان
المعشوق لا سبيل إلى تحصيله فليلازم الصبر; وليسأل الله السلوَّ. 8عيادة
المرضى، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، والنظر إلى الموتى، والتفكر في الموت وما
بعده
; فإن ذلك يطفئ نيران الهوى كما أن سماع الغناء واللهو يقويه; فما هو
كالضد يضعفه. 9_مواصلة مجالس الذكر: ومجالس الزهاد، وسماع أخبار الصالحين.10_قطع
الطمع باليأس، وقوة العزم على قهر الهوى:
فإن أول أسباب العشق الاستحسان، سواء
تولَّد عن نظر، أو سماع، فإن لم يقارنه طمع في الوصال، وقارنه الإياس من ذلك_لم
يحدث له العشق. فإن اقترن به الطمع، فصرفه عن فكره، ولم يشتغل قلبه به لم يحدث له
ذلك. فإن أطال مع ذلك الفكرَ في محاسن المعشوق، وقارنه خوفُ ما هو أكبر عنده من
لذة وصاله، إما خوف من دخول النار، وغضب الجبار، وإدخار الأوزار، وغلب هذا الخوف
على هذا الطمع لم يحدث له العشق.فإن فاته هذا الخوفُ، فقارنه خوف دنيوي كخوف إتلاف
نفسه، أو ماله، أو ذهاب جاهه، وسقوط مرتبته عند الناس، وسقوطه من عين من يعزّ
عليه، وغلب هذا الخوف لداعي العشق_دفعه. وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه،
وأنفع من ذلك المعشوق، وقدم محبته على محبة المعشوق_اندفع عنه العشق.11المحافظة
على الصلاة:
وإعطاؤها حقها من الخشوع، والتكميل لها ظاهراً وباطناً. قال_تعالى
(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية فإن
الصلاة فيها دفع مكروه، وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله12_زجر
الهمة الأبية:
عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان
الفضائل; فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية; فإن ذا الهمة يأنف
أن يملك رقَّه شيء، وما زال الهوى يذل أهل العز. وهذا الذل لا يحتمله ذو أنفة; فإن
أهل الأنفة حملهم طلب علو القدر على قتل النفوس، وإجهاد الأبدان في طلب المعالي،
ونحن نرى
طالب العلم يسهر ويهجر اللذات;
أنفة من أن يقال له: جاهل، والمسافر يركب الأخطار; لينال ما يرفع قدره من المال;
حتى إن رُذالة الخَلْق ربما حملوا كثيراً من المشاق; ليصير لهم قدر، فأما من لا
يأنف الذل وينقاد لموافقة هواه فذاك خارج عن نطاق المتميزين.13
شرف النفس، وزكاؤها، وحمِيَّتُها: فذلك يوجب أن تنأى عن الأسباب التي تحطّ
قدرها، وتخفض منزلتها. وإنما تعلو قيمة المرء، وتسمو مكانته بقدر نصيبه من شرف
النفس، وزكائها، وحميتها; فإذا عُلمت النفس طاب عنصرها، وشرف وجدانها أفن مطمح
الهمم إنما هي غاية، وحياة وراء حياتها الطبيعية لا تقف بسعيها عند طمع بوصال، أو
أمل بنظرة. بل لا تستفيق جهدها، ولا يطمئن بها قرارها إلا إذا بلغت مجداً يصعد بها
إلى أن تختلط بكواكب الجوزاء. فلا يكون_إذاً_من وراء العشق إلا إذلال النفس، وموت
الشرف، والضعة، والتسفل; أو ليس من
الذل
أن تكون حياة الإنسان معلقة بغيره، وسعادته بيد سواه; فهو مضطر إليه، وهو لعبة في
يديه، إن أقبل سَعُد، وإن أعرض شقي، وإن
مال
إلى غيره اسودت الدنيا في عينيه? هذا_والله_الصغار بعينه، وهذا هو الذل الذي لا
ينفع معه المال الكثير، ولا الجاه العريض. أليست هذه هي حقيقة الحب، والعشق الذي
ألّهه الشعراء? أليست هذه هي حال من غايةُ طموحه أن يواصله معشوقه بكلمة، أو
إشارة، أو ما هو أدنى أو أعلى من ذلك وقال
ابن المقفع اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال،
وأقتلها للعقل، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة، والوقار_الغرامَ
بالنساء. ومن البلاء على المغرم بهن فإنما النساء أشباه، وما يتزين في العيون،
والقلوب من فضل مجهولات على معروفات باطل وخدعة، بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما
عنده أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن وقال ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس بلُبِّه
ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصور لها في قلبه الحسن، والجمال،
حتى تَعْلَقَ بها نفسه من غير رؤية، ولا خبر مُخبر، ثم لعله يهجم منها على أدَمِّ
الدمامة، فلا يعظه ذلك، ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزل مشغوفاً بما لم يَذُق حتى
لو لم يَبْقَ في الأرض غيرُ واحدة لظن أن لها شأناً غير ما ذاق. وهذا هو الحمق،
والشقاء، والسفه. وبالجملة فشرف النفس وزكاؤها يقود إلى التسامي، والعفة،
والجلالة; ذلك أن المرء بين عاطفة تخدعه، وشهوة تتغلب عليه; فمتى ما لم يجد من
عقله سائساً، ومن دينه وازعاً يقاومان الضعف، ويصارعان الميول والأهواء_وقع في
الخطايا، وانغمس في الشرور والرذائل. وإن قوي على عصيان الهوى، والنفس، والشيطان،
والشهوة، وثبت في مواقف هذا الصراع الهائل كان في عداد المجاهدين، وترتب على
انتصاره وفوزه جميع المكارم والفضائل التي تنتهي به إلى خيري الدنيا والآخرة.










بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image005 (14)التفكر في عيوب المحبوب: فمحبوبك ليس كما في نفسك; فأعمل فكرك في عيوبه تسْلُ. قال ابن الجوزي
فإن الآدمي محشو بالأنجاس والأقذار، وإنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال، ولا
يصور له الهوى عيباً; لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال، وسلطان الهوى حاكم
جائر، يغطي المعايب، فيرى العاشقُ القبيحَ من معشوقه حسناً. وقال الحكماء: عين
الهوى عوراء. وبهذا السبب يعرض الإنسان عن زوجته، ويؤثر عليها الأجنبية، وقد تكون
الزوجة أحسن. والسبب في ذلك أن عيوب الأجنبية لم تَبِنْ له، وقد تكشفها المخالطة.
ولهذا إذا خالط هذه المحبوبة الجديدة، وكشفت له المخالطة ما كان مستوراً_ملَّ،
وطلب أخرى إلى ما لا نهاية له وقال فاستعمال الفكر في بدن الآدمي وما يحوي من
القذارة، وما تستر الثياب من المستقبح_يُهَوِّنُ العشق; ولهذا قال ابن مسعود: إذا
أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها. وقال بعض الحكماء: من وجد ريحاً كريهة من
محبوبه سلاه، وكفى بالفكر في هذا الأمر دفعاً للعشق ولهذا تجد العاشق يغالي في معشوقه،
ويُصوِّر له في قلبه ما يصور; لأن عقله شبه غائب، مع أن أقرب الناس للمعشوق،
وأعرفهم به_لا يرون له ذلك الشأن; بل ربما رأوه أقل من ذلك بكثير، بل ربما لم يروا
له فضلاً البتة.(15) تصوُّر فقدِ المحبوب: إما بموته، أو بفراق يحدث عن غير
اختيار، أو بنوع ملل، فيزول ما أوجب من المحن الزائدة على الحدِّ التي خسر بها
المحب جاه الدنيا والدين.16النظر في العاقبة: فالعاقل_إذاً_هو من وزن ما
يحتوي عليه العشق من لذة ونُغْصَة; فنُغصُهُ كثيرة، وأذاه شديد، وغالب لذَّاته
محرم، ثم هي مشوبة بالغموم، والهموم، وخوف الفراق، وفضيحة الدنيا، وحسرات الآخرة;
فيعلم الموازنُ بين الأمرين، فأن اللذة مغمورة في جنب الأذى.17أن يعلم المبتلى
أن الابتلاء سبب لظهور جواهر الرجال:
فربما ابتلي الإنسان بذلك، فإن صبر ظهر
فضله، وكمل سؤدده، ونقل إلى مرتبة أعلى، وربما نال محبة خالقه، تلك المحبة التي
تملأ قلبه، وتغنيه عن كل محبة. 18_النظر فيما يُفَوِّته التشاغل بالعشق من
الفضائل:
فإن أرباب اليقظة عشقُهم للفضائل من العلوم، والعفة، والصيانة،
والكرم، وغير ذلك من الخلال المحمودة_أوفى من ميلهم إلى شهوات الحس; لأن شهوات
الحس حظ النفس، وتلك الخلال حظ العقلِ، والنفسُ الناطقة الفاضلة إلى ما يُوثر
العقلُ أميلُ، وإن جرَّها الطبع إلى الشهوات الحسية. 19النظر في حال العشاق: وما
هم عليه من العذاب، وكيف كانوا يعيشون على هامش الحياة، وكيف انفرطت عليهم مصالح
دينهم ودنياهم; فإن ذلك يوقف العاقل على حقيقة العشق; فما الذي خبَّل مجنونَ ليلى?
وما الذي غدا بلبِّ جميل بثينة? وما الذي تيَّم كثير عَزَّة? إنه العشق الذي
ألبسهم ثوبه، وكساهم حُلَّته، وربط اسم كل واحد منهم باسم معشوقته; فأصبحوا لا
يذكرون إلا ويذكر معهم العشق، وضعة النفوس، ودنو الهمم، فهذا جميل بثينة على سبيل
المثال لما دعي للجهاد في سبيل الله في وقت كانت الفتوحات الإسلامية تتسع، وتعظم
فقال أريد جهاد النسا فان كل قتيلٍ عندهن شهيد) فانظر كيف قصر همته على ملاحقة
النساء، ومطاردتهن; فهذا هو جهاده، وتلك هي شهادته! أين هذا وأمثاله من أولي الهمم
العلية، والعزائم القوية? أين هم من صقر قريش عبد الرحمن الداخل_على سبيل المثال
_? هذا الرجل الذي أهديت له جارية بارعة الجمال أول قدومه الأندلس، فلما رآها قال:
إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا شغلت عنها بما أهِمُّ به ظلمتها، وإن أنا
اشتغلت بها عما أهِمُّ به ظلمت همتي; فلا حاجة لي بها الآن، وردَّها على صاحبها.
فانظر إلى هذا الرجل لما عصى هواه، ولم يسترسل مع شهوته_كيف نال ما نال. هذا الرجل
الذي ولي الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتشْرَقُ بالدماء، فما لبث أن قرَّت له،
وسكنت لهيبته، ثم خرج في طليعة من جنده، فافتتح سبعين حصناً في غزوة واحدة، ثم أمعن
في قلب فرنسا، وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطرافاً من إيطاليا، حتى رجع له كل أولئك له. وبعد أن كانت قرطبة دار إمارة
يذكر فيها الخليفة العباسي على منابرها، وتمضي باسمه أحكامها أصبحت مقر خلافته،
يحتكم إليها عواهل أوربا، وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها. قال
أبو جعفر المنصور صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل
بلداً أعجمياً مفرداً، فمصرَّ الأمصار، وجنَّد الأجناد، ودوَّن الدواوين، وأقام
مُلْكاً بعد انقطاعه; لحسن تدبيره، وشدة شكيمته هذه بعض الأسباب المعينة على علاج
العشق، الواقية بإذن الله لمن لم يقع فيه. فحري بمن أخذ بها أن يُعان، ويوفَّق;
فإن جاهد، وصابر، ثم بقي بعد ذلك في قلبه ما بقي فإنه لا يلام عليه. يقول الجنيد
الإنسان لا يعاب بما في طبعه، إنما يعاب إذا فعل بما في طبعه وقال ابن حزم لا عيب
على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب وأعظم الرذائل، ما لم يظهره
بقول أو فعل. بل يكاد يكون أحمدَ ممن أعانه طبعه على الفضائل. ولا تكون مغالبة
الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل وقال ابن الجوزي بعد إيراده عدداً من الأدوية
النافعة لداء العشق: فإن قال قائل: فما تقول فيمن صبر عن حبيبه، وبالغ في استعمال
الصبر، غير أن خيال الحبيب في القلب لا يزول، ووسواس النفس به لا ينقطع? فالجواب:
أنه إذا كففت جوارحك فقد قطعت موادَّ الماء الجاري، وسينضب ما حصل في الوادي مع
الزمان، خصوصاً إذا طلعت عليه شمسُ صيف الخوف، ومرّت به سمومُ المراقبة لمن يرى
الباطن فما أعجل ذهابه. ثم استغث بمن صبرت لأجله، وقل: إلهي! فعلتُ ما أطقتُ;
فاحفظ لي ما لا طاقة لي بحفظه وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديث له عن
العشق، وعلاجه فقال وميلُ النفس إلى النساء عام في طبع جميع بني آدم، وقد يبتلى
كثير منهم بالميل إلى الذكران كالمردان، وإن لم يكن بفعل الفاحشة الكبرى كان بما
هو دون ذلك من المباشرة، وإن لم تكن كان بالنظر، ويحصل للنفس بذلك ما هو معروف عند
الناس. وقد ذكر الناس من أخبار العشاق ما يطول وصفه; فإذا ابتلي المسلم ببعض ذلك
كان عليه أن يجاهد نفسه في طاعة الله_تعالى_وهو مأمور بهذا الجهاد، وليس هو أمراً
حرَّمه على نفسه; فيكون في طاعة نفسه وهواه. بل هو أمر حرَّمه الله ورسوله، ولا
حيلة فيه; فتكون المجاهدة للنفس في طاعة الله ورسوله.وقال في موضع آخر وليتخذ
ورداً من الأذكار في النهار، ووقت النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع
والصوارف; فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه. وليحرص
على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس باطنة، وظاهرة; فإنها عمود الدين. وليكن
هجِّيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها بها تحمل الأثقال، وتكابد الأهوال،
وينال رفيع الأحوال
.ومن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن
المحرمات نظراً، وقولاً، وعملاً، وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام
محرم: إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق. وصبَرَ على
طاعة الله، وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق كما يصبر المصاب عن ألم
المصيبة فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر وقال في موضع آخر فإن الله أمر بالتقوى
والصبر; فمن التقوى أن يعف عن كل ما حرم الله، من نظر بعين، ومن لَفْظ بلسان، ومن
حركة برجل. والصبر أن يصبر عن شكوى ما به إلى غير الله; فإن هذا هو الصبر الجميل.
وأما الكتمان فيراد به شيئان: أحدهما: أن يكتم بثَّه وألمه، ولا يشكو إلى غير
الله; فمتى شكى إلى غير الله نقص صبره. وهذا أعلى الكتمانين، ولكن هذا لا يَصْبِر
عليه كلُّ أحد، بل كثير من الناس يشكو ما به، وهذا على وجهين: فإن شكى إلى طبيب
يعرف طبَّ النفوس; ليعالج نفسه بعلاج الإيمان; فهو بمنزلة المستفتي، وهذا حسن. وإن
شكى إلى من يعينه على المحرم فهذا حرام، وإن شكى إلى غيره; لما في الشكوى من
الراحة_كما أن المصاب يشكو مصيبته إلى الناس من غير أن يقصد تعلُّم ما ينفعه، ولا
الاستعانة على معصيته فهذا ينقص صبره، لكن لا يأثم مطلقاً إلا إذا اقترن به ما
حرام، كالمصاب الذي يتسخط. والثاني: أن يكتم ذلك فلا يتحدث به مع الناس; لما في
ذلك من إظهار السوء والفحشاء; فإن النفوس إذا سمعت مثل هذا تحركت، وتشهَّت، وتمنت،
وتتيمت. والإنسان متى رأى، أو سمع، أو تخيَّل من يفعل ما يشتهيه كان ذلك داعياً إلى
الفعل










بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image006








أرقام وحقائق(عاقبة
الحب الُمحرم في إهلاك الأُمَم
)





قال تعالى()إن الذين يُُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)(يحبون) يعني يريدون ذلك ويفعلونه; لأن المحبة من فعل
القلب فان حُب إشاعة الفاحشة في الذين امنوا وإظهارها حتى في القوم الغير مؤمنين
موجب للعذاب اليم في الدنيا والاخره ففي
الدنيا يعذبون بالألم الأمراض وتسليط كثرة الموت عليهم كما قال رسول الله
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image008(وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم
الفاحشة
" يعني الزنا واللواط ولم
ينكروا على فاعله"
إلا فشا فيهم الموت) (حديث
صحيح الجامع)
فشا أي ظهر و كثر الموت وفي رواية عند البخاري(لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون
والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا
)قال ابن حجرَّ(الأوجاع من الأمراض
وأِنْ الطَّاعُون يَنْشَأ عَنْ ظُهُور الفاحشة)وكذلك الأوجاع التي تنطبق تمامًا على
الأمراض الجنسية تنشا عن ظهور هذه الفاحشة
(الزنا واللواط)فإن ظهور هذه الفاحشة والإستعلان بها على هيئة إباحة الشذوذ الجنسي
واعتباره في القانون حقًا من حقوق الإنسان هو الداعي لذلك الأوجاع التي ظهرت في
المجتمع الغربي في هذا الزمان بشكل أمراض جنسيه مثل
(مرض الإيدز ومرض الهربس وقمل العانة, والجرب الجنسي) ولم تكن هذه تعرف في زمن الذين مضوا من قبلهم وهذه مصداقا
لقول الرسول
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image009 فامرض الايدز والزهري الذي دمر العالم الغربي فأصابهم من جرائه
الهلع والجزع والخوف الشديد ذكر العلماء الغربيين أن 95% من مرضى الإيدز والزهري هو
بسبب الذين يمارسون الجنس(
اللواط
والزنا)
ويبلغ عدد المصابين به سنويا
نحو 2.5 مليون مصاب ومن الأمراض التي تنشا من ظهور الفاحشة مرض الهربس يقول الدكتور(مور)
أطلق العلماء والباحثين على الهربس اسم
(مرض الحب) لأن الفيروس المسبب لهذا المرض ينشاء عن طريق الاتصال
الجنسي وعن طريق الملامسة المباشرة وبالتقبيل وفي تقديرات د(مور)فإن عدد الذين
ماتوا من ضحايا هذا المرض الجديد يزيد عن 250, وذلك منذ تم اكتشاف هذا المرض وربما
يكون عدد الضحايا الذين ماتوا قبل اكتشافه
أكبر من ذلك بكثير .فهناك وفيات كثيرة أدراجها الأطباء تحت قائمة الأمراض
الجنسية ومن ثم لم تلحق بقائمة اسم هذا المرض الجديد وبخصوص هذا الفيروس,اُْحذر
الشعب الأمريكي الذي سيصبح كل مواطن عرضة لهجومه في أي وقت فهو من أكثر الأمراض
الجنسية انتشارا وخطورة في العالم) وجاء في تقرير لوزارة الصحة الأمريكية والبريطانية
أن الهر بس يزداد يوم بعد يوم وانه لا علاج
له حتى الآن وأنه يفوق في خطورته من مرض السرطان ويبلغ عدد المصابين به في الولايات المتحدة نحو 20مليون مواطن أميركي ومن جهة أخرى أوضحت صحيفة
السياسة أن نسبة انتشار"الهربس"بين الشباب العربي 25 % وقد أثبتت
الإحصاءات الحديثة أن تيار الأمراض الجنسية في حالة مد وانتشار ليس كما يظن البعض
في حالة انحسار"فان ظهور وسائل منع الحمل واختفاء عامل الخوف من الحمل ساعد
كثيرا على انتشار هذه الأمراض الجنسية الغير المشروعة, والمثير للعجب هي وسيلة
إغراء وعائق في مكافحة الايدز قال جيمس فى مجلة التاميز(إن خطر الطاقة الجنسية في أمريكا واربا قد يكون في
نهاية
المطاف أكبر من خطر الطاقة الذرية النووية
)وأكد العلماء أن هناك صعوبات لا حصر لها تقف أمام الحد من
انتشار الأمراض الجنسية ففي كل دقيقة يصاب ستة أشخاص دون الخامسة بعدوى الإيدز ولبد
من التنبيه أن الأمراض الجنسية خاصة الادز والهربس قد تنتقل بالعدوى من دون فعل
الفاحشة عن طريق الملامسة واستخدام متعلقات المريض الملوثة,كما يصيب الأطفال عن
طريق أمهاتهم.وكما أن كثرة الاختلاط بين مختلف الشعوب عن طريق السفر ساعد على
انتشار هذه الأمراض,قال د(مور)عن الهربس فهو ينتقل عبر الهواء حيث إن ضحاياه
يلتقطونه من أي مكان)لان هذا العذاب لا يقتصر على فاعل الفاحشة فقط بل يعم كل
القوم لقوله
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image008(إذا أنزل الله بقوم عذابًا أصاب
العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم
»رواه البخاري قال ابن الحسين من تدبر هذا علم أن قوم لوط هلكوا جميعا
بقبيح فعالهم ,من أحصن منهم , ومن لم يحصن ,ومن رضي ومن لا يرضى بفعالهم حتى
النساء وإنما امرأة لوط أهلكها الله لأنها كانت تدل قوم لوط على أضياف لوط فأهلكها
الله معهم ولقد قرب الله مسافة العذاب بين هذه الأمة وبين إخوانهم قوم لوط في العمل فقال مخوفا لهم بأعظم الوعيد(وما هي من الظالمين ببعيد)إن العقوبة تعم
الجميع الطالح و الصالح إلا مصلحين قال
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image008 (يكون في آخر هذه الأمة خسف
ومسخ وقذف
(أي رمي بالحجارة من جهة
السماء)
قيل:يا رسول الله أنهلك وفينا
الصالحون؟قال نعم إذا ظهر الخبث)
صحيح الجامع الخبث(الزنا ودواعيه) ولم يقولوا وفينا المصلحون لأنهم هم الأمان من هلاك العام
بإذن الله قال تعالى(وَمَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
) فالقرى وإن كان فيها
ظلم لا تهلك إذا قام فيها المصلحون لغيرهم بما يجب عليهم من الدعوة والعمل لله وان
لم يُطيعُوهُم قال رسول
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image009(طوبى للغرباء قيل:من هم يا رسول
الله ؟ قال أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يُطيعهم يصلحون إذا فسد
الناس
)
صحيح الجامع أي يصلحون ما افسد الناس في الدنيا والدين ولذلك عند ذهاب
جميع المصلحين يهلك الناس قال رسول
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image009في
أخر الزمان
(يبقى شرار الناس يتهارجون(أي يأتون الفاحشة وهم يبصرون)تهارج الحمر
فعليهم تقوم الساعة
)صحيح الجامع قال ابن عثيمين وما نراه اليوم من كثرة دور اللقطاء وانتشار
الفساد وما يجري من الرجال صغارهم وكبارهم من لبس الضيق وتقليدهم للنساء في كلامهم
وزنتهن وما يجري على النساء من عري وتكشف وتقليد للرجال مياعة وتخنث وتعطيل
للجنسين عن الواجبات المؤهلين لها ُينذر بالخطر وتدهور كيان ألامه ويوشك أن
يُوقعها فيما وقع فيه غيرها من الأمم)وهذا
إنذار ووعيد للامه التي وقعت فيما اخبر عنه الرسول
بسم الله (كيفية التوبة من العشق والأسباب المعينة على التخلص والوقاية منه) العشق Clip_image008,بقولة(إن أخوف ما أخاف على أمتي
عمل قوم لوط
)صحيح الجامع وقولة