طمس الحقائق



سعد احمد الغامدي


الحمد لله الذي اهتدى بهديه ورحمته المهتدون ، وضلّ بعدله وحكمته الضالون ، { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة ، ونصح الأمّة ، وجاهد في الله حقّ جهاده ، وتركنا على المحجّة البيضاء ، ليلُها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك . صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وأتباعه ، وسلّم تسليماً كثيراً:

طمس الحقائق وما أدراك ما طمس الحقائق كيد قديم منذو عهده صلى الله عليه وسلم يطمسون الحقيقه ويعلنون غيرها ويسمونها بغير اسمائها سلسله متصله حتى يومنا هذا ولكن الاشنع فى طمس الحقائق فى هذا الزمان ان طمس الحقائق اصبحت بطريقة منظمه ومكائد مخططه بعد ان كانت فى عهده صلى الله عليه وسلم يقوم بها افراد معدودين كشفهم الله جل وعلى لنبيه وعدهم صلى الله عليه وسلم لحذيفه رضى الله عنه .اما فى ذا الزمان فالامر مختلف حيث اصبح لطمس الحقائق منظرون ومدربون ومؤسسات بل وجامعات يتخرج الاف من الناس على العمل على طمس الحقيقه وتغليف الباطل وتزيينه با اغلفه براقه تخدع اعين الدهماء من الناس حتى يروا الحسن قبيح والقبح حسن.

ان المتامل فى حلقاتُ الكيدِ بالمسلمين يرا انها تتتابَع، ومكرُ المتربِّصين يتسارع، وقِوى الحقّ والباطل تتصارع، وصدق الله اذ يقول (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا شَيَـاطِينَ الإِنْسِ والْجِنّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ).

وتأتي على الأمّة الفواجعُ والزّوابع لتُظهر دخيلةَ أهل طمس الحقائق وسوءَ طويَّتهم، وتكشفَ رداءَ المداوَرة، وتمزِّق ثوبَ المراوغة، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَـانَهُمْ وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَـاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـالَكُم).

ويأتي الهجومُ المعلَن والعداء المبطَّن على الإسلام وعلمائه وأهله وأسُسِه وثوابته ومناهجِه وبلاده مِن ذوي الفكر المقبوح والتوجُّه المفضوح؛ ليؤكِّد بجلاءٍ أنَّ مِن بين صفوف الأمّة أدعياء أخفياءَ، كاذبون في الولاء والانتماء، سلكوا مسالكَ عدائيّة، وطرحوا في تضاعيف الصّحف أفكارًا علمانيّة لا دينيّة. شمَخَ كلُّ واحدٍ منهم بأنفٍ من الجهل طويل، واحتسى مِن قيح الخُبث وقبيح الأباطيل، ونطق بالزّور وافترى الأقاويل. قومٌ بُهت دنَّسوا وجهَ ما كتبوا عليه من قِرطاس، ولطَّخوه بعقائدِ الشكِّ والجُحود والوسواس. مقالاتٌ شوهاء وكلِمات عرجاء وحماقاتٌ خرقاء. وسبحان ربي اذ يقول
(وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لغلهم يرجعون)

بعد هذه المقدمه اليكم ايها النجباء بعض الصفات الخبيثه لاهل طمس الحقائق اخبرنا بها العالم بما تخفى الصدور الذى لاتخفى عليه خافيه فى الارض ولا فى السماء سبحان وتعالى حتى يحذر المومنين منهم ويكونون على بينه من امرهم.

1-يدعون انهم مؤمنون والله يكذبهم ويقول
(
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)

2- يدعون انهم مُصْلِحُونَ والله يكذبهم ويقول
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)

3- يدعون انهم هم على الحق وان غيرهم سفهاء ولذالك اذا ادعو الايمان قالوا أَنَصِيرُ نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَة وَعَلَى طَرِيقَة وَاحِدَة وَهُمْ سُفَهَاء والله يكذبهم ويقول
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)

4- يظهرن بوجهين، ويتكلمون بلسانين، ويمشون بين الفريقين كالشاة حائرة بين القطيعين، تميل إلى هذا القطيع تارة وإلى ذاك أخرى مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء يظهرون الايمان وَالْمُوَالَاة وَالْمُصَافَاة غُرُورًا مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَنِفَاقًا وَمُصَانَعَة وَتَقِيَّة وَلِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ خَيْر وَمَغْنَم " وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينهمْ " يَعْنِي إِذَا اِنْصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَخَلَصُوا إِلَى شَيَاطِينهمْ يعنى سَادَتهمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ من رؤوس الكفر وقياداته وصناع الفساد وأنصار الباطل ودعاة الفتنة قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ والله يفضحهم ويكشف خبث نياتهم فيقول جل وعلا
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)
(لَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ للَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَـافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ لْمُؤْمِنِينَ)
.

5- شجعان في السلم فإذا جد الجد لاذوا بغيرهم ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) خوافون جبناء ، ( لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَـارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)

6- يظهرون انهم لايريدون الا الحسنى فايدافعون عن المراة تحت مسمى حاجاتها و حقوقها وهم ينشدون فى الحقيقة التفسخ الأخلاقي بزعمهم تحرير المرأة، لتخرج لتقود السيارة والطياره والدبابه و لابد لها من بطاقة يريدون أن تفسخ المرأة حياءها وأن يحل المجتمع رباط الأخلاق باسم الترفيه والسياحة أو عبر مسلسلات تهدم الدين والخلق والله يفضح مخططهم ويقول جل وعلى (
وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ لْحُسْنَى وَ للَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ)

7- يدعون الوطنية والعمل لخير الوطن ويروجونه تحت شعار حب الوطن ويسارعون عند أي حادثة لإبراز ما في قلوبهم من غلٍ وحقد، ويعجبون بقولهم: (وَيُشْهِدُ للَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ لْخِصَامِ)

8-ادعاء التغاضى والتسامح مع من استهزء بآيات الله فاذا جلس جالسهم مجلساً يسمع فيه آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فيسكت ويتغاضى ملتمساً لنفسه أعذاراً، ومدعياً أنه صوت من التسامح واللباقة والدهاء والكياسة وسعة الأفق وحرية الرأي، وما درى أن هذه هي الهزيمة تدب في أوصاله وتنخر في فؤاده، وما فرق بين حرية الفكر وجريمة الكفر: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى لْكِتَـابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـاتِ للَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنَّ للَّهَ جَامِعُ لْمُنَـافِقِينَ وَ لْكَـافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) .

9- يأتون بظواهر العبادات خاليه جوفاء من الايمان والخشوع وقد قام بهم الرياء وهو أقبح مقام، وقعد بهم الكسل، وهو بئس القعيد (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى لصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءونَ لنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ للَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) . تكاسلاً وثقلاً وشحاً وبخلاً لا يرجون ثواباً ولا يخشون عقاباً، فيهم من تلبس بالغش والخديعة حتى أصبح لا يؤمن جانبه، لا يبالي أن يخلف وعداً، وينكث عهداً، ولا يتورع عن ظلم الغير أو الاستيلاء على الأموال والحقوق العامة والخاصة لا يزغه إيمان ولا حياء عن الخيانة فيما ائتمن عليه، يخادع الناس بكلامه ولطافة خلقه، ولكن بخلاف ما يظهر، قد امتلأ قلبه حقداً وغلاً ومراوغة، يبيع دينه بعرض من الدنيا ويهدر كرامته في سبيل غرض شخصي أو حاجة دنيوية غير مبالٍ بحرمة فعله وعظيم إثمه (إِذْ يَقُولُ لْمُنَـافِقُونَ وَ لَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ )

10- لا يعتبرون من الفتن، ولا يرجعون عند الكوارث ولا يستفيدون من الحوادث يصف الله حالهم بقوله جل وعلا (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) .

11- الأيمان الكاذبة مركبهم، والحلف الفاجر وقايتهم، وَيَحْلِفُونَ عَلَى لْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . ويقولالله تعالى فى هم: ( تَّخَذْواْ أَيْمَـانَهُمْ جُنَّةً ).

12- الاتصال بأعداء الله وأعداء المؤمنين، ويودون لو تولى العدو أمر المسلمين، وتصرف في شؤونهم ودولهم وأن تكون الغلبة له، والى هذا يشير سبحانه وتعالى (بَشّرِ الْمُنَـافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

هذه بعض صفات اهل طمس الحقائق واجزم ان هناك صفات اخرى ولكن يكفى من السوار ما احاط باالمعصم
ايه الاخوة
إن بلية الإسلام بهم – كما يقول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله – شديدة، لأنهم منسوبون إليه وهم أعداؤه على الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب، حتى ليظن الجاهل أنهم على علم وإصلاح، فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصنٍ قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من علم طمسوه، وكم من لواء مرفوع قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول رأسه ليقلعوها، استعان بهم الشيطان على الفتن والتحريش في تاريخ الإسلام العريض، وما كثر القتل وتعددت الأهواء، وانتشرت المذاهب الباطلة، والسبل الضالة، إلا بما وضعوه من التفسيرات المنحرفة والتأويلات المتعسفة، وما عبثوا به من المصطلحات وزيفوا من المبادئ، وفي أخبار الزنادقة ومن لف لفهم ممن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ما يدل على عظيم البلاء وخطر الابتلاء، فلا يزال الإسلام وأهله في محنة وبلية، ما أكثرهم وهم الأقلون، وما أجبرهم وهم الأذلون، وما أجهلهم وهم المتعلمون: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مّنكُمْ وَلَـاكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) .
فالله وحده المستعان على ما يصفون وعليه التكلان فيما يجترؤون. اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألستنا من الكذب وأعيننا من الخيانة.

امام وخطيب جامع الامير محمد بن فهد
سعد احمد الغامدي
الظهران الدانه

المصدر : صيد الفوائد