من عجائب سيرة نوح أنه ظل تسعة قرون ونصف يدعو قومه، وهم لا يستجيبون! إن هذا الزمان الطويل يتسع لازدهار دول! وانهيارها، ونضارة مبادئ وذبولها، بيد أن قوم نوح ظلوا على ضلالهم لا يتوبون ولا يفكرون فى توبة! إن الرجل الوثيق العزم الواسع الحلم عاد إلى ربه يشكو سوء اللقاء وعناد الكفر "(( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ))" . هل للكفر شبهة عقلية تجعل إنسانا ما يعبد حجرا، ويذر عبادة رب العالمين؟ لقد راقبت مسالك كفار، فوجدت العلل النفسية لا الفكرية هى التى تغرى بالجحود، وتصرف الناس عن ربهم العظيم! وكيف تفسر سلوك امرئ يرفض التدين ويبطن الولاء لبشر تافه ؟ إن مئات الكتب ألفت فى تمجيد " ستالين " ونسيان الله!! والأدلة على وجود الله ليست معادلات رياضية عسرة، إنها تنبيهات للعقل النائم كى يصحو ويرى " (( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ))" . إننا ما نزال نأكل نبات الأرض فيتحول فى أجسامنا إلى عضلات ودماء، أنحن الذين نقوم بهذا التحويل؟ أم اللطيف الخبير؟ من الذى يدير الأفلاك؟ أهو الله أم ود أم سواع؟ من آلهة قوم نوح! إن غباء الكفر عجيب وليس أعجب منه إلا كبرياؤه وصلفه، ولذلك دعا نوح ربه بعد القرون الطوال التى أنفقها فى البلاغ والتذكير " ((رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)) " . إن الكفر على مر الأيام يتحول إلى تقاليد معوجة، وإلى جيل من الناس " لم يزده ماله وولده إلا خسارا " ، أو إلى أسر تقول للمصلحين

ص _481
" نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " والأخطر من هذا البلاء أن يضن الكفار على المؤمنين بحق الحياة والاستقرار " وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا " . إن طبيعة الضلال لا تلزم طورا واحدا. والمؤمنون فى هذا العصر يعالجون الدواهى من الإلحاد والإحراج والفتنة !
ص _482




مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.
الشيخ محمد الغزالي.