لا تشددوا على أنفسكم في الدين ، فلن يشاد الدين أحد إلا غلبه :
بقلم : ابو ياسر السوري
12 / 3 / 2016
===========
هنالك من ينبش قضايا ما ينبغي نبشها ، ولا الخوض فيها بتحليل ولا تحريم ، لأنها من المسكوت عنه شرعا ، والمسكوت عنه هو في دائرة المباح ، وليس لأحد كائنا من كان أن يحرم ما أباح الله ..
ولكن نبتت نابتة في المسلمين يعجبهم أن يحرموا كل شيء يفعله الناس مما هو مسكوت عنه ، بزعم أنه ( بدعة وأنه حرام ).. وأقل ما يقال في صنيع هؤلاء أنهم فارغون متنطعون ، وكأنه لا يهدأ لهم بال ما لم يوسعوا دائرة الحرام والممنوع حتى تشمل جل أقوال الناس وأفعالهم ..
رأيت أحدهم نشر تنبيها ينهى به عن قول القارئ بعد انتهائه من القراءة :
( صدق الله العظيم )
وينقل نقولا عن ابن باز وابن عثيمين والفوزان .. ولا أدري إن كان النقل صحيحا ثابتا عن هؤلاء العلماء المعاصرين أم لا .؟؟ فقد صار الكذب على السنة العلماء وسيلة لترويج أية مقولة تخطر على بال المتنطعين . ليروجوا لتنطعهم وتضييقهم على الناس في أمر دينهم .. وخلاصة القول في هذه المسالة يمكن إجماله في النقاط التالية :
1 - إنه لا ضرر ولا محظور شرعيا في قولنا ( صدق الله .؟) وليس فيه إساءة أدب مع الله ولا تقول عليه .؟ وإنما هو من الثناء على الله تعالى بالصدق .؟
2 - جاء عن علي رضي الله عنه قوله : [ حدثوا الناس بما يعرفون .. أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ ] يفهم من قول علي تحريم أن يكذب الله ورسوله ، ويقابله بمفهوم المخالفة عند الأصوليين " جواز أن يصدق الله ورسوله " .
3 - ثم علينا أن نعلم أنه لا حجة لقول أحد على أحد إلا بقول الله أو قول نبيه .. وقد جاء في القرآن الكريم ما يخالف القائلين بالمنع . قال تعالى في سورة آل عمران [ قل صدق الله ] الآية 95 وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأول القرآن .
4 - أما وصف هذه العبارة بالبدعة ، والقول بأنها ضلالة فهو من أغرب الغرائب .. ونحن مع من يقول بأن قول ( صدق الله العظيم ) في نهاية التلاوة هو غير واجب ، وأنه لم يثبت فيه أمر ولا نهي ، ولم يسنده أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..
ولكن في المقابل لا نقرهم على تحريم قول القارئ ( صدق الله العظيم ) لأنها من المسكوت عنه ، والمسكوت عنه يبقى في دائرة المباح حتى يرد النهي والتحريم .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها و حرم أشياء فلا تنتهكوها و ترك أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها ] أخرجه الحاكم في مسنده .
5 - أذكر الذين يتشبثون بذريعة البدعة ، بأن عليهم أن يفرقوا ما بين الابتداع في الدين والابتداع في القضايا المباحة المسكوت عنها ، والتي تندرج تحت أصل شرعي ..
فجمع القرآن في صحف أيام أبي بكر رضي الله عنه هو بدعة ، لأنه حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .. وكتابة المصاحف أيام عثمان أيضا بدعة .. وأخيرا طباعة المصحف الشريف بملايين النسخ وتوزيعه اليوم في شتى بقاع الأرض أيضا بدعة .. ثم إن كتابة الحديث النبوي بدعة كذلك ، لأنه لم يدون الحديث إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ينهى عن تدوينه لئلا يختلط الحديث بالقرآن .. وهكذا كان جمع الناس على إمام واحد للتراويح أيام عمر رضي الله عنه أيضا بدعة ، وعمر سماها بذلك فقال " نعمت البدعة هذه " ..
فهل يتنطح أصحابنا إلى القول بأن هذه الأمور الحسنة التي فعلها المسلمون هي من البدع الضالة .؟ معاذ الله . بل هي من الأعمال الحسنة التي يحبها الله ورسوله وتندرج تحت أصل شرعي عام يقره الإسلام ..
يا ناس .. أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار .. فلماذا يهجم كل من هب ودب وينصب نفسه إماما يفتي في قضايا الدين ويهرف فيها بما لا يعرف .؟؟؟
أرجو أن أكون وضحت الأمر في حكم هذه العبارة ... والله المستعان ..!!!!