من رياض السنة النبوية :
3 / 8 / 2016
==============
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :
«أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ»؟ قَالُوا : لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ ...
قَالَ : « فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا »
أخرجه مسلم في الصحيح
::::::
ولو شئتم أن تمضوا معنا قليلا لنقف على بعض اللطائف في هذا الحديث الشريف :
1 - هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لتقريب المعقول بالمحسوس ، وبيان أنه كما ينظف الماء الأوساخ المتراكمة على البدن ، فكذلك الصلوات الخمس تطهر صاحبها من صغائر الذنوب .. وهذا التمثيل هو من الأساليب العالية في الكلام ، وكم من أمثال ضربها الله للناس في القرآن الكريم لتقريب المعنى للأفهام . [ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * ] ليبين لخلقه أن الإنسان لا ينفعه إلا عمله ، ولا يضره إلا عمله .. فامرأتا نوح ولوط كانت كل منهما زوجة نبي ، فلم ينفعهما ذلك وكانتا من أهل النار لسوء عملهما .. بينما كانت امرأة الطاغية فرعون من أهل الجنة حين حسن عملها . 
2 - لمذا قلنا " تطهر صاحبها من صغائر الذنوب " ولم نقل من جميعها . خصوصا وأن لفظ الخطايا الوارد في الحديث يشمل الصغائر والكبائر معا .؟ والجواب أن هذا الحديث هنا مقيد بحديث آخر يبين أن الصلوات مكفرات للصغائر فقط .. [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر ] رواه مسلم .. وفي قواعد الأصول أن المطلق يحمل على المقيد ..
3 - لو حرف شرط غير جازم ، ومن حقه أن يدخل على فعل شرط ، وأن يكون له جواب شرط أيضا .. فكيف جاز هنا أن يدخل على الاسم " لو أن نهرا " .؟؟ قالوا : جاز ذلك هنا لأنه وضع الاستفهام مكان الشرط على سبيل التقرير ، وهو أبلغ في الأداء ، لأن الإقرار سيد الأدلة . فيكون مجمل المعنى على هذا " أنه لو ثبت يقينا أن رجلا يغتسل بالنهر خمسا كل يوم.. لما بقي من درنه شيء " .. فإن أقررتم بهذا فتيقنوا أن من يصلي الصلوات الخمس تغسل بهن خطاياه أيضا . ولذلك اقترن التمثيل بالفاء في قوله " فكذلك مَثَلُ الصلوات " .
4 - التعبير بقوله " أرأيتم " هو بمعنى " أخبروني " وهو كذلك أبلغ في التعبير ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يسأل فيقول : أخبروني خبر من رأى بعينيه ، يعني خبرا يقينيا ، وليس ظنيا .. ولو قال " أخبروني لو أن نهرا " لما أدى هذا المعنى الدقيق ، الذي أدته كلمة " أرأيتم " .. 
وهنا يمكن الاستئناس بقوله تعالى " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " فقد جاء الاستفهام بالآية الكريمة بلفظ " ألم تر " ونحن نعلم أن السورة تتحدث عن الفيل الذي جاء به أبرهة في مقدمة جيشه العرمرم لهدم الكعبة ، فأهلكه الله تعالى قبل أن يفعل .. 
يقول العلماء : كان ذلك ببركة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العام .. وهو ما اعتبروه من إرهاصات النبوة ومبشراتها ومقدماتها .. فهلاك جيش كبير بالطير الأبابيل ، كان معجزة وأمرا خارقا للعادة . أراهم الله إياه تمهيدا لظهور النبي وتأييده بالمعجزات .. ليهيئهم للتصديق بمعجزة الوحي من السماء قبل أن تأتيهم ..
ولكن كيف يقول الله لنبيه " ألم تر ؟ " والنبي يوم وقوع تلك الحادثة كان مولودا جديدا ، وليس أهلا لأن يعقل مثل هذا الأمر في حينه .؟؟
والجواب : أن " ألم تر ؟ " هي بمعنى " ألم يأتك خبر حادثة الفيل " فعدل القرآن عن التعبير بالإخبار ، غلى التعبير بالرؤية ، لأنها أبلغ في المعرفة ، لأن من رأى ليس كمن سمع .. وكأن الله تعالى يقول لحبيبه المصطفى " اعلم كأنك ترى ، أني كما أهلكت أصحاب الفيل وحميت بيتي من أبرهة الحبشي ، فكذلك سوف أهلك أعداءك وخصومك وأنصرك عليهم .
وإليكم تحياتي ..
ودمتم إخواني ..
وعليكم بالصلوات الخمس ، فهن من أقوى وسائل النصر على الأعداء ..

أخوكم : أبو ياسر
***