[ltr]الســــــــــلام الـمـمـنـــــــوع
7 / 3 / 2017
  مقال منقول - د . يحيى العريضي
الســــــــــلام الـمـمـنـــــــوع  Do
وراء حرمان سورية من السلام أو غيابه عنها أسباب كثيرة، بعضها قصديّ وبعضها عفوي يعود إلى طبيعة أو بنية أو مسلك من هم بحاجته الماسة ولا يحققونه. كلاهما بنفس درجة الخطر على بلد تكاد الحرب تأتي عليه، هناك اليد الداخلية وعضويتها من النظام والمعارضة أيضاً؛ وهناك اليد الخارجية الداعمة للأول، وتلك التي نصّبت من نفسها صديقة للأخرى. وهناك يد ثالثة اختارت أن تكون محايدة تتذبذب بين خوفها أو انتهازيّتها أو عدم اكتراثها.
يد الداخلية وفرعها الأول المتمثّل بالنظام أضحى واضحاً أن هذه المنظومة قد بنت سلطتها على مبدأ المواجهة مع من تحكم أو تتحكم برقابهم ومصيرهم ورفعت شعار “الأسد أو نحرق البلد” في وجه من ثار عليها، واختارت الحل العسكري الأمني الدموي منفّذةً استراتيجية “الممانعة والمقاومة” لا في وجه محتلّ الأرض السورية بل في وجه أي فرصة للسلام السوري، لتأتي الأيدي الداعمة الإيرانية والروسية وتعزز ذلك النهج وتفاقم عملية حرمان سورية من السلام.[/ltr]

كثر أولئك الذين سعوا لإقناع النظام بالحل السلمي على امتداد المأساة السورية؛ ولكن عبثاً. يأتي “جنيف” في محطته الرابعة، ولا زال النظام على ديدنه يمارس إرهاب الدولة، ويضع أولوية على أجندته “محاربة الإرهاب”؛ ويوقّت كل محطة بعمل إرهابي كي يثبت مقولته. لم تبق ذريعة في الكون إلا واستخدمها نظام الأسد للحؤول دون الولوج في عملية سلمية حقيقية قد تعيد سورية وأهلها إلى الحياة.
إيران التي لم يكتمل مشروعها العبثي في المنطقة، حريصة على ألا ينزلق النظام الذي تحميه، في أي خطيئة سلمية. الأمر ذاته ينطبق على روسيا الأكثر تحدثاً عن السلام والأقل اهتماماً به؛ لأن الغرب لم يفتح بعد باب حل مشاكلها العالمية العالقة.
في اليد الداخلية الأخرى، تأتي المعارضة التي ما عرفت حياةً سياسية حقيقية لعقود، فأضحى إحساسها باستحالة التغيير في ظلّ نظام قمعي دموي منبعاً لكل صنوف الإحباط ولغياب مبدأ الحق والواجب للمواطنة ولاستحالة العمل الجماعي. زاد على تبعثرها النابع من عوامل مرضية ذاتية تدخلات خارجية عابثة ليشكلا الوصفة الأنجع لجعل السلام في سورية بعيد المنال.
كثيرة هي الأمثلة في تحوّل من نصّب من نفسه صديقاً للشعب السوري إلى عبئاً أو عاملاً معرقلاً لإعطاء السلام فرصة في سورية وذلك عبر موقف أو تصرف يزيد الطين بلّة. وأذكر في هذا السياق تقديم فرنسا وإنكلترة مشروع قرار لمحاسبة بعض عناصر النظام، مرتكبي جرائم حرب في سورية. لقد أتى تقديم مشروع القرار خلال انعقاد “جنيف”، وقامت روسيا باستخدام “الفيتو”. فلا القرار صدر ليكون الخطوة الأولى في محاسبة المجرمين وليكون رادعاً ودافعاً للحل السلمي المنشود في جنيف، ولا هو تم تأجيل تقديمه كي لا يضع روسيا في الزاوية وتقوم بردة فعل تعكسها على مفاوضات جنيف. لا أدري ما الذي أنجزه الإنكليز والفرنسيون بتقديمه بهذا التوقيت من مساعدة السوريين أو التعبير عن صداقتهم.
إن تقديم المشروع في هذا الوقت بالذات لا يساهم بمساعدة السوريين جلب السلام إلى بلدهم.
فإذا كان الفرنسيون والإنكليز “أصدقاء الشعب السوري” يريدون أن يصفّوا بعض الحسابات مع روسيا عبر الضغط عليها وإضافةً رذيلة جديدة إلى سجلّها باستخدامها الفيتو لمنع إدانة المجرمين، فهل يجب أن يكون ذلك على حساب استمرار نزف الدم السوري، وعلى حساب إمكانية الولوج في عملية سلام سورية تفيد كل السوريين.
لو أراد الأصدقاء دعم الشعب السوري لانتظروا قليلاً أو قدموا ذلك المشروع قبل انعقاد جنيف.
سقتُ هذا مثلاً على تعثّر فرص السلام في سورية. وكأننا أمام رغبة عالمية في تصفية مختلف الحسابات على الساحة السورية .
مسكينة أنت يا سورية؛ تتصارع الإرادات على أرضك، وتصفى الحسابات؛ ولا أحد يلتفت إلى نزف دمك المستمر أو إلى عذابات أهلك.