الرد على الدكتور على كيالي بخصوص زواج السيدة عائشة رضي الله عنها - حلقة (3) Do

الرد على الدكتور على كيالي بخصوص زواج السيدة عائشة رضي الله عنها
( الحلقة الثالثة )
كتبه : أبو ياسر السوري
12 / 3 / 2017
=================
ثم ختم الكيالي مقاله - الذي رددنا عليه في الحلقتين السابقتين - بما يلي :
 
[ الحـديث الشــريف :
1 - ورد في [ البخـاري – باب جوار أبي بكر ] أنّ السيدة عائشة رضي الله عنهـا قالت : [ مـا أعْقـل أبواي إلاّ و همـا مسـلمان ] ، و أنهـا كـانت مدركةً [ هجرة الحبشة الأولى ] التي حصلت عام [ 5 للدعوة ] .
2 - و يقول [ ابن كثير ] في [ البداية و النهاية ] ، أنّ من بين الصغار الذين أسـلموا في [ بداية الدعـوة ] ، كانت السيدة عائشة رضي الله عنهـا .
3 - إذاً زواجُ النبيّ صلى الله عليه و سلّم منَ السيّدة عائشة رضي الله عنها و عن أبيهـا ، ليْـسَ [ ذريعة ] مـنْ أجل الزواج منَ [ القاصرات ] ، فهذا يُدعى : [ انتهاك حُـرْمة الطفولة ] ، و حاشى للرسول الكريم أنْ يقوم بمثل هذا العمل ..
- اللهـمّ فاشـهدْ أنني قـد بلّـغْـتُ ، و مـرّات عـديدة .
لكـم كلّ المحبّة و الشـكر الجـزيل منَ القـلب..
د. علي منصور كيالي ]
 
ردنا على ما قاله الكيالي في هذا الاستدلال :
========================
الدكتور الكيالي قال [ ورد في [ البخـاري – باب جوار أبي بكر ] أنّ السيدة عائشة رضي الله عنهـا قالت : [ مـا أعْقـلُ أبواي إلاّ و همـا مسـلمان ] . انتهى كلامه
 
أقول : ولو رجعنا إلى نص الحديث كما في صحيح البخاري لرأينا فيه : أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت : [ لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين ] .
 وبالمقارنة ما بين رواية الحديث كما هي عند الدكتور . وروايته كما هي في صحيح البخاري نجد ما يلي :
1 - أن الدكتور الكيالي ، روى هذا الحديث بالمعنى ، ولم يتقيد باللفظ كما هي عادته ، ليختار اللفظة التي يريد توظيفها لغرضه الذي يرمي إليه .. ونظراً لكون الدكتور لحّانا ، لا يعرف النحو ، فقد وقع في خطأ نحوي، فرفع كلمة " أبواي" بإثبات ألف المثنى، والصواب أن تكون "أبويَّ" لكونها مفعولا به للفعل "أعقل" ، ولكن الدكتور يحق له مالا يحق لغيره .. ومن يعترض على رسول الله في زواجه من عائشة ، ألا يمكنه أن يضرب عرض الحائط بالنحو الذي كتبه سيبويه والكسائي .؟؟
 2 - ثم إن الكيالي اختار عبارة "إلا وهما مسلمان" بدلا من عبارة " إلا وهما يدينان الدين" . وهذا مخالف للضبط الذي يشترطه المحدثون للأخذ عن الراوي ، وإلا ردوا روايته ، وكان ذلك سببا في الحكم بضعف سند الحديث . لأن الصحيح عندهم هو ما رواه العدل الضابط عن مثله من أول السند إلى آخر رجل رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
 3 – وقد يقول قائل " هذا غير مهم " ونحن نقول بل هو من أوكد المهمات ، فالقاعدة العلمية تقول : " إن كنت ناقلا فالأمانة ، وإن كنت قائلا فالدليل " وتعمد مخالفة النص عند النقل ، مُسقط للأمانة . ومخل بقواعد المصطلح التي اعتمدها المحدثون .. وعلى من أراد التصدي لعلم الحديث أن يأخذ بمعاييره. وإذا كان جاهلا فيسعه السكوت ، ليريح ويستريح.
 4 – ولندخل الآن ‘لى غرض الدكتور من إيراد هذا الحديث هنا أعلاه .؟ فطبيعي أنه ما أراد بذكر هذا الحديث هنا؛ أن يسجل لعائشة منقبة ، ينوه فيها بنشأتها في بيت كلُّ أهله من السابقين إلى الإسلام ، وإنما أراد أن يقنعنا بأنه حين بدأت البعثة النبوية ، كانت عائشة كبيرة واعية مدركة عاقلة ، وأنها لا تكون كذلك إلا إذا كانت في العاشرة من عمرها على أقل تقدير. هذا ما أراد الكيالي إيصاله إلينا من خلال هذا الحديث .. 
ولكن نص الحديث لا يحتمل المعنى الذي أورده صاحبنا من أجله ، بل وليس فيه حجة له ، وإنما هو حجة عليه .. فلو كانت عائشة في بدء البعثة (بنت عشر) كما يريد أن يقول ، لما جاز أن تقول " لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين " لأن بنت العشر سنوات لا بد أنها أدركت أن أبويها كانا قبل البعثة يدينون دين قريش من عبادة الأوثان ، وتقديس هبل واللات والعزة ومناة .. ولكن لما كانت ولادتها في السنة الرابعة للبعثة كما هو ثابت بالأحاديث الصحاح ، صح قولها أنها لم تفتح عينها حين عقلت إلا على أهل بيت يدينون بالإسلام .. لأنها ولدت في الإسلام ، وليس في الجاهلية كما يزعم الكيالي ..
 5 – قال الكيالي – هداه الله - : " و يقول [ ابن كثير ] في [ البداية و النهاية ] ، أنّ من بين الصغار الذين أسـلموا في [ بداية الدعـوة ] ، كانت السيدة عائشة رضي الله عنهـا ."
فأشار إلى أهمية العبارات التالية المحصورة بالأقواس .. [ ابن كثير .. البداية والنهاية .. بداية الدعوة ..] ليقنعنا بأهمية ما توصل إليه .. وبأنه ينقل عن العلامة ابن كثير ، من كتابه البداية والنهاية الشهير .. وكأنه يقول بلسان الحال : " إن من لا يسلم لما يقال هنا فهو يعاند علماء المسلمين ، ويخالف مراجعهم الدينية الكبرى .. وهنا لا بد من معرفة أمرين :
الأول : أن كتاب البداية والنهاية هو كتاب تاريخ ، ولا يركن لما في كتب التاريخ من أخبار .. ولا يعتد بها جميعا .. وقضايانا الهامة لا تؤخذ من التاريخ ، الذي لم يلتزم فيه المؤرخون ما التزموه في تدوين الحديث النبوي الشريف ..
الثاني : أن ننظر ماذا كان يعني ابن كثير بقوله [ في بداية الدعوة ] ؟ حين قال كما رأيتم قبل قليل " أنّ من بين الصغار الذين أسـلموا في [ بداية الدعـوة ] ، كانت السيدة عائشة رضي الله عنهـا ."
وكلمة [ في بداية الدعوة ] تعني عند الكيالي " في السنة الأول أو الثانية من البعثة النبوية " وبناء على هذا الفهم الخاص بالدكتور ، فهو يرى أن عائشة كانت مولودة قبل البعثة ، وأنها كانت جارية مميزة واعية مدركة لمعنى الدين .. وأن عمرها بناء على ذلك يجب أن لا يقل عن عشر سنين .
ومن الغريب حقا ، أن هذا الدكتور يعتمد أدلة ليست بأدلة ، ويبني عليها أحكاما يخالف بها ما قاله جمهور علماء الأمة منذ أكثر من 14 قرنا من الزمن .. غير مدرك أن صنيعه هذا لن يجني من ورائه سوى احتقار العلماء ، وآثام من أضل من عوام المسلمين .
فالتعبير (ببدء الدعوة ) يعني كل الفترة المكية ، التي استمرت 13 سنة ، كان ثلاث منها في الدعوة سرا .. ثم أمر الله نبيه أن يصدع بما يؤمر ، فجهر بالدعوة عشر سنين .. والسبب في إطلاق عبارة " بداية الدعوة " على كل تلك الفترة إنما كان لأنها فترة لم تشرع فيها أحكام الإسلام ، ولم تنزل فيها الفرائض ولا الحدود ، ولم يشرع فيها الجهاد دفاعا عن النفس ، ولم تحدد فيها العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين من أهل الكتاب أو المشركين .. داخل بلاد العرب وخارجها ..
 6 – وأخيرا تقمص صاحبنا بقميص المدافع عن القاصرات ، مُجرّماً كل من لا يوافقه على آرائه الشاذة في هذه القضية .. يا سبحان الله .. وهل كانت السيدة عائشة قاصرة ، فوقع عليها ظلم كبير بزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .؟؟ فانبرى الكيالي ، وانبرى المستشرقون من قبله للدفاع عن القاصرات ، بمهاجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الزواج .؟
وهل يجوز للكيالي أن يعدل في هذه القضية على الله تعالى .؟ فإن هذا الزواج قد تم بأمر من الله تعالى ، نزل بهجبريل على نبيه من فوق سبع سماوات .. وقدا ذكرنا ذلك في (الحلقة الأولى) من هذه الردود . في حديث جبريل حين أتاه بصورة عائشة مرتين ، يقول له هذه زوجتك في الدنيا والآخرة ؟؟ لقد تجاوزت قدرك يا كيالي ، وأسأت الأدب مع الله ورسوله .. وأذكرك بأن إبليس طرد من رحمة الله بأقل من هذا .!!
وأرجع إلى السؤال : هل أنت يا كيالي أحنى على عائشة رضي الله عنها من أبويها أبي بكر وأم رومان .؟ وهل تظن أيها الدكتورالمنتفخ المتطاول ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرضى أن يتزوجها قبل أن تنضج وتصبح في عداد النساء .؟ فرسول الله أحنى علينا من أنفسنا على أنفسنا ، فهو الرؤوف الرحيم ، وهو الذي ما فتئ - بأبي هو وأمي - يوصي بالنساء خيرا حتى لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم ..
 
ثم لماذا الحكم قبل سؤال صاحبة القضية ، تعالوا نسأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نفسها ، هل كانت مغبونة بهذا الزواج ؟ أم كانت أسعد الناس حظا في الدنيا والآخرة .؟ تعالوا بنا نسأل أم المؤمنين ، لنأخذ منها الخبر اليقين ، فإن القضية لا يُبتُّ فيها ، ما لم يُسأل عنها صاحبها .. فلنصغ إلى ما قالت رضي الله عنها وعن والديها :
 عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت : تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال ، وأدخلتُ عليه في شوال - وكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال - فأي نسائه كانت أحظى عنده مني صلى الله عليه وسلم .؟ " سنن النسائي 
 فها هي صاحبة الشأن تلقي في مسامع الدنيا ، وتقول للعالم كله بكل فخر واعتزاز " ليس في نساء النبي من كانت أكثر حظا مني برسول الله " معبرة بهذه الكلمات عن أعلى درجات السعادة والأنس والحب والرضى بهذا الزواج المبارك الكريم ..
 وروى الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَهْىَ بِنْتُ سِتٍّ ، وَبَنَى بِهَا وَهْىَ بِنْتُ تِسْعٍ ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهْىَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ . صحيح البخاري
 فكيف جاز لهذا الكيالي أن يدعي أنها تزوجت وهي بنت 25 سنة ، مما يُلزمُه القول بأن رسول اللهَ توفي عنها وهي بنت 34 سنة .؟ مخالفا في ذلك نصّا صريحا .. وإذا وجد النص الصريح الصحيح فلا رأي ولا اجتهاد .
 وعَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ . أخرجه البخاري في الصحيح 
 ونظرة سريعة في سند هذا الحديث ، نجد أن رواته هم : هشام وهو ابن عروة ، وعروة هو بن الزبير بن العوام ، وأمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة رضي الهَ عنها خالته . فرواة هذا الحديث كما ترون هم من أهل الدار . وهم أخبر من الكيالي وأعرف بأحوال عائشة رضي الله عنها .. وها هي صاحبة الشأن نفسها تقول كنت ألعب على مرجوحة .. فلو كانت عائشة بنت 25 سنة كما يزعم الكيالي ، لما أمكن أن تلعب بمرجوحة آنذاك .؟
 ونختم بما حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : عَائِشَةُ ( هي) بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أُذَيْنَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ ، وَعَرَّسَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَكَانَتْ يَوْمَ ابْتَنَى بِهَا بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ . أخرجه الحاكم في المستدرك 
وهذه الرواية تؤكد ما جاء في عشرات الروايات من الأحاديث الصحيحة وتفيد الآتي :
أ  -   أن النبي عقد على عائشة في شوال سنة 10 من البعثة ..
ب -  وكان ذلك قبل الهجرة بـ 3 سنين ..
ج -  وأنها زفت إليه في شوال بعد تمام 7 أشهر من الهجرة .
د -  وأنها رضي الله عنها كانت يوم ابتنى بها بنت 9 سنين . وليست بنت 25 سنة .
 والحمد لهِ رب العالمين ..