هل معنى قوله تعالى [ وَاضْرِبُوهُنَّ ] أي لا تضربوهن .؟
13 / 3 / 2017
كتبه : أبو ياسر السوري
===============هل معنى قوله تعالى [ وَاضْرِبُوهُنَّ ] أي لا تضربوهن .؟ Do

قال تعالى في سورة النساء : وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا
بعد قيام الثورة السورية ظهرت خفايا ما كنا نعلمها . ولسنا بصدد الوقوف عليها الآن ، وإنما نقفُ عند واحدة منها فقط ، وهي " أن كل من انخرط في الشبكة العنكبوتية ، وتعلم كيف يكون القص واللصق ، أصبح بين عشية وضحاها مفسرا للقرآن ، عالما بالسنة النبوية ، أهلا للفتوى في كل ما يعرض للمسلمين من وقائع ونوازل ..
وقد أرسل إلىَّ أحد الإخوة الأفاضل مقالا ، لكاتب قام بتفسيرٍ غريبٍ شاذّ لمعنى الضرب في قوله تعالى (واضربوهن) من آية النساء ..
فقال صاحب المقال كلاما لم يُسبق إليه ، ولا يمت بأية صلة إلى التفسير ، فقد خالف في تفسيره لضرب المرأة الناشز ، كل ما جاءت به السنة ، وما قاله المفسرون خلفا عن سلف .. وبدا وكأن كاتب المقال كان فخوراً بما صنع ، واثقاً بصواب ما كتب ، مخطئاً في الوقت نفسه كلَّ مَنْ فسَّرَ الضرب بغير المعنى الذي قال هو .. يا سبحان الله .!! وهذا منه اجتراءٌ على القول في دين الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ..
لهذا أستـأذنك أخي القارئ ، وأرجو أن يتسع صدرك قليلا لعرضٍ سريع لبعض ما يشترط فيمن يتصدى لتفسير شيء من كتاب الله تعالى .. فإليك ما قاله أصحاب الشأن في هذا الميدان :  
قالوا أولا : يجب على المفسر أن يفسر القرآن بالقرآن ، فالقرآن الكريم يفسر بعضه بعضا .. ثم عليه أن يستنير في التفسير بالسنة المطهرة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أعلم بمعاني ما أنزل عليه من كتاب ربه ، لأن الله تعالى تكفل له بجمعه وقرآنه وبيانه .
وقالوا ثانيا : على المفسر أن يكون مُلمّاً بوجوه النظم القرآني وعلى معرفة بما فيه من خاصّ وعامّ ومشترك ومُؤوّل .. وأن يكون المفسّرُ محيطا بمعرفة الظاهر والنصِّ والمفسَّرِ والمحكم ، والخفيِّ والمشكل والمجمَل والمتشابه .. وأن يفرق أيضا بين الحقيقة والمجاز والصريح والكناية ، وأن يتقن الاستدلال بعبارة النص وإشارته ودلالته واقتضائه .. إلى آخر ما اشترطوه من الآلات المعرفية ، التي تؤهل صاحبها لهذا المعترك الخطير ..
نعم إن زجَّ النفس في تفسير القرآن ، معترك خطير ، تهيَّب أبو بكر الصديق رضي الله عنه - وهو من هو - من خوض غماره بالرأي فقال ( أي أرض تُقلني وأي سماء تُظلني إن قلتُ في آية من كتاب الله بغير ما أراد ) وفي رواية عنه ( إن قلتُ في القرآن برأيي أو بما لا أعلم ).. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداءُ السنن ، أَعيَتْهُمُ الأحاديثُ أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي فضلُّوا وأضلُّوا ) .
قال صاحبنا المتصدى للتفسير برأيه :
[ كنت علي يقين أن ضرب النساء المذكور في القرآن لا يمكن أن يعني * ضرب * بالمعني والمفهوم العامي .  لأن دين بهذه الرفعة والرقي والعظمة ( الدين الأسلامي ) ، والذي لا يسمح بإيذاء قطه ، لا يمكن أن يسمح بضرب وإيذاء وإهانة * الأم ، والأخت ، والزوجة ، والأبنة * ] انتهى كلامه ..
أقول : ولو غضضنا الطرف عن الستة الأخطاء النحوية ، التي وقع فيها صاحبنا في هذه الثلاثة الأسطر ، فلا يسعنا أن نغض الطرف عن نفيه للضرب بمعناه المعروف لدى الناس ، وادعائه بأن فهم الضرب على هذه الشاكلة ، هو من الأخطاء الشائعة التي وقع فيها العوام ، ونجا منها المثقفون المتنورون من أمثاله .!!
والواقع نحن لا نوافقه على ما رأى ، لأن " الضرب " المذكور في آية النساء ، هو من ألفاظ " الحقيقة " لكونه لفظا موضوعا في الأصل للضرب المعلوم "  وهو أصلٌ في معناه ، لأنه وُضِعَ ابتداءً لهذا المعنى القريب ، الذي يشترك في فهمه كل متحدث بلغة القرآن .. ويفهم منه حقيقة معناه ، وهو ضربُ الرجل زوجته الناشز باليد ردعاً لها عن نشوزها ، سواء أكان هذا الضرب صفعا أو لطما أو وكزا ..
ولكن صاحبنا فرق ما بين ضرب وضرب فقال :
[ ولو تتبعنا معاني كلمة* ضرب* في المصحف وفي صحيح لغة العرب، نرى أنها تعني في غالبها المفارقة، والمباعدة، والإنفصال، والتجاهل... خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة *ضرب* ] .
وساق على ذلك الشواهد التالية :
[ ضرب الدهر بين القوم، أي فرّق وباعد..  وضرب عليه الحصار، أي عزله عن محيطه.
 
وضرب عنقه ، أي فصلها عن جسده ] .
وبناء على هذا الفهم للمعنى المجازي لـ " الضرب " ما كان من صاحبنا إلا أن فسر الضرب بقوله :
[ فهذه الآية تحض على الهجر في المضجع، والإعتزال في الفراش، أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد. وإن لم يُجدِ ذلك، فهو *الضرب* بمعنى المباعدة والهجران، والتجاهل. وهو أمر يأخذ به العقلاء من المسلمين] . 
ولكنْ فاته أن كلمة * ضَرَبَ * في الأمثلة التي ذكرها ، لم تستخدم بطريق الحقيقة ، وإنما استخدمت بطريق " المجاز" .. ومن قواعد الأصول المقررة لدى المفسرين " أنه إذا أمكن إجراء الكلام على الحقيقة ، فلا يصار فيه إلى المجاز " و " حقيقة الضرب " في الآية الكريمة غير متعذرة ، لهذا كان من الخطأ أن يصار في تفسيره إلى المجاز ..
فـقوله تعالى " واضربوهن " ليس له معنى إلا (الضرب المعروف) ، والضارب هنا هو الزوج ، وليس " الدهر ، ولا السيف ، ولا الحصار .. "
وإنما ساغ إسناد الضرب للدهر والسيف والحصار مجازا ، لأنه ليس لهذه الأشياء أيدٍ للصفع واللطم والوكز .. ومن هنا كان إسناد الضرب إليها جارياً على سبيل المجاز اللغوي ، الذي يؤدي معنى المباعدة والمفارقة .. وكون معانيها مجازية يمنع أن يُفسَّر بها ضربُ الزوجة الناشز ..
ثم إن كان نشوزها عن كراهية وبغض لزوجها ، فتفسيرك "الضرب" بمعنى " المباعدة والمجافاة " هو مما يفسد الحكمة من العقوبة ..فالناشز الكارهة لزوجها ، لن تعبأ بمباعدته إياها ، بل سيكون ذلك هو المطلوب بالنسبة لها ، وإنها لن تعتبر ذلك عقوبة ، بل سوف تراه مكافأة لها ، ولن يزيدها ذلك إلا تمردا ونشوزا .. فهل من الحكمة أن نكافئها على نشوزها بما ترغب هي فيه من مباعدة الزوج ومجافاته .؟؟
أرأيت يا هذا ..! كيف يغرق الجاهل في شبر من ماء .؟؟
أما بعد :
وقبل أن أختم حديثي معك أيها المفسر المتطفل على موائد الآخرين ، أرجو أن تجيبني عن السؤال التالي : كيف تجرأت على تفسير هذه الآية بخلاف ما فهم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يتلقى التفسير من جبريل ؟ وكيف ساغ لك أن تخالف أصحابه الذين أخذوا تفسيرها عنه وتقول أنت بغير ما يقولون ؟ فرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه أدق منك فهما وعلما بمرامي ما جاء في التنزيل .؟؟
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت آية النساء في بنت محمد بن سلمة وزوجها سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار ، فإنه لطمها لطمة فنشزت عن فراشه وذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت أنه لطمها وكان أثر اللطمة باق في وجهها ، فقال صلى الله عليه وسلم: « اقتصي منه . ثم قال لها : اصبري حتى أنظر» فنزلت الآية : ( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ .. إلى قوله :  واهجروهن في المضاجع واضربوهن .. ) قال ابن عباس : كأنه تعالى جعل الرجل أميراً على الزوجة ونافذ الحكم في حقها .. فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أردنا أمرا ، وأراد اللَّه أمراً ، والذي أراد اللَّهُ خير » ورَفَعَ القصاص . أي ألغاه .
وَلهذا ذهب ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، إلى أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَنْشُزُ لَا تُبَالِي بِهَجْرِ زَوْجِهَا بِمَعْنَى إِعْرَاضِهِ عَنْهَا ، وَقَال : إِنَّ مَعْنَى وَاهْجُرُوهُنَّ قَيِّدُوهُنَّ ، مستفادٌ مِنْ هَجْرِ الْبَعِيرِ إِذَا شَدَّهُ بِالْهِجَارِ " أي الحبل ".. واستأنس ابن جرير في ذلك بأثر جاء فيه ، أن الزبير بن العوام ، عَتَبَ على زوجته أسماء بنت أبي بكر وعلى ضرَّتها، فعقد شعر واحدة بالأخرى ، ثم ضربهما ضربا شديدا، وكانت الضرَّةُ أحسن اتقاء، وكانت أسماء لا تتقي ، فكان الضرب بها أكثر، فشكت إلى والدها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها : أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ، ولعله أن يكون زوجك في الجنة ، ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة . ففسر ابن جرير (الهجر) بالربط والعقد والحبس في البيت ، لأن اللفظ يحتمل هذا المعنى العربي الفصيح ، ولأن الزبير رضي الله عنه فعل ذلك ..
على أن تلاميذ ابن عباس كعطاء وقتادة وعكرمة كلهم قالوا : الناشز يضربها زوجها ضربا غير مبرح .. فلا يفلق لحما ، ولا يكسر عظما ..
وختاما نقول لك يا من فسرت (الضرب) بغير ما يحتمله لسان العرب .. إن مَنْ أُنزل عليه القرآنُ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين تلقوه عنه ، فهموا الضرب بمعناه الحقيقي ، وفسروه بالمعنى الذي تعيبه أنت وتخطئه .. فماذا يكون الجهل والصفاقة إلا ما قلتَ وكتبتَ .. وماذا تنتظر منا في الرد عليك غير ما قلنا ونقول .؟؟