طه حسين ، قلمُه يَدِينُهُ وزوجتُه أخبرُ بدينِهِ :
1889 – 1973
الكاتب : محمد رجب حميدو
مقدمة الموضوع :
نشر في موقع رابطة العلماء مقال بعنوان " المراحل الفكرية التي مر بها طه حسين " لكاتبه : د . خلدون مخلوطة .. فكتب إليَّ أحدُ الإخوة الأفاضل من أعضاء الرابطة يقول لي " ما رأيك " .؟؟؟؟؟
وكان جوابي المختصر : " غسل الكلب لا يُطهرُه من رجسه ، ولا يزيدُه إلا نجاسة " ..
ثم قرأت المقال مرة بعد مرة ، ورأيت أن كاتبه حاول إيهام القارئ ، أنه ما كتب مقاله إلا بعد قيامه بدراسة شاملة لكل مراحل حياة الرجل ، وأن تلك الدراسة الشاملة هي التي جعلته يغير قناعاته في طه حسين ، وأخرجته من بين جارحيه إلى مُعـدِّليه ..
وبعد التأمل في هذا المقال ، عرفتُ أنه لم يأت بجديد ولا مفيد ، سوى ادعاءات ليس لها أصل ، وتقسيمات ليس لها فصل .. واكتشفتُ أن كاتبه - أصلحنا الله وإياه – قد اعتمد فيما كتب على كتابات محمد عمارة ، الذي هو – فيما نعلم – ممن أخذ على عاتقه " تقبيح الحسن ، وتزيين القبيح " فقد كان أثنى على الأفغاني والكواكبي وقاسم أمين من قبل .. ثم زعم أخيرا أن طه حسين تحول من الانبهار بالحضارة الغربية إلى الدفاع عن الإسلام وهذا ما عكر على الدكتور عمارة ، وصرف وجوه القراء عن احترام آرائه وكتاباته ؛ إلا رجلا كصاحبنا الدكتور مخلوطة ، الذي حذا حذوه هنا ، وترسم خُطاه ..
مع أن واقع الحال يقول : إنه لن يجني أحد من تحسين طه حسين في أعين الناس ، سوى تسفيه رأيه ، وتقبيح رأي الناس فيه .
::::
ولهذا رأيتُ أن نمر مرورا سريعا بمسيرة حياة طه حسين، لنعلم كيف بدأ شيخا، فناقماً على الشيوخ، فزنديقا، فعميلا لأعداء الإسلام، فمرتدا عن الإسلام إلى الدين المسيحي، قبل وفاته بشهور قليلة ..
طه حسين طفلا في الكُتَّاب :
طه حسين ، بدأ حياته طفلا مُعوَّقا ، فقد عينيه وهو ابن أربع أو خمس سنوات تقريبا ، بسبب جهل البيئة التي نشأ فيها ، فقد أصيب برمد ، فأخذوه إلى حلاق القرية ، ليعطيه قطرة فاسدة ، تذهب ببصره إلى الأبد ، فنشأ كارها لهذا المحيط ، ناقما على الجهل الذي أفقده عينيه .. وكان من المعتاد أن من فقد عينيه ، كان لزاما عليه إن يرسل إلى الكتّاب ليحفظ القرآن الكريم تعويضا له عما فاته من دنياه ، فحفظ القرآن قبل سن العاشرة ، وتلقى شيئا من مبادئ الحساب الشفوي .. وكان متفوقا على أقرانه في الحفظ والاستيعاب .
 
طه حسين شيخا أزهريا :
ولما بلغ الرابعة عشرة من عمره التحق بالأزهر، رافضا أن يعيش على أجور قراءة القرآن عند مقابر الأموات ، كما كان يفعل أمثاله من الأكفاء . وأصر على الدراسة وتحدي المبصرين ، فتوجه إلى الأزهر بالقاهرة عام 1903 وبعد مضي4 سنوات له في الأزهر ، بدأت ملامح شخصيته المتمردة إلى الظهور ، وبدأ يضيق ذرعا بالطريقة الكلاسيكية في التدريس الأزهري ، ويكثر من نقد مدرسيه التقليديين ، ولا يحضر المحاضرات إلا لقلة قليلة منهم . وكان يقضي بقية ساعات فراغه في قراءة كتب الأدب ودواوين الشعر القديم ، وكان معجبا بالشيخ المرصفي العالم الأديب الناقد ، وبالشيخ محمد عبده ، الذي كان يمثل تيار التجديد في الأزهر .. وفي عام 1908تخرج من الأزهر ، بعدما أتم مرحلة ما قبل الجامعة ، وهو ابن 18 سنة . ورفض أن يكمل تحصيله العلمي في الأزهر ، لأنه كان كارها للأزهر كما قال هو عن نفسه في كتابه " الأيام " ..
 
طه حسين دكتوراً زنديقا :
في العام نفسه 1908، افتتحت الجامعة المصرية فسارع الشيخ طه إلى الالتحاق بها ، وكان أول المنتسبين إليها . وهنا تتلمذ على عدد من الأساتذة المستغربين والمستشرقين ، من أمثال أحمد زكي باشا ، وأحمد كمال باشا ، ومدرسين آخرين غربيين ، ليتلقى منهم العلوم العصرية من فلسفة وتاريخ وحضارات ولغات وفلك ونقد وأدب .. ووجد في الجامعة المصرية بغيته ، فاستمر فيها إلى أن تقدم برسالته ( ذكرى أبي العلاء ) التي نال بها شهادة الدكتوراه عام 1914 والتي أثارت ضجة كبرى في الأوساط العلمية ، ورمي على أثرها بالكفر والزندقة .
 
طه حسين موفدا إلى باريس :
كان طه حسين أول خريج يحصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة المصرية ، وكانت رسالته عن أبي العلاء تمثل قمة التمرد على القيم الدينية والمقدسات ، فكوفئ على ذلك بإيفاده إلى فرنسا للتخصص العالي ، ولينال الدكتوراه الثانية في ( الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون ) من جامعة مونبلييه عام 1919 . وقبل تخرجه بعام تزوج من سوزان التي كان عمُّها قسيسا في أحد كنائس باريس . فازداد طه بذلك اقترابا من الكفر وبعدا عن الإسلام .. فشريكة حياته ، ورفيقته في مسيرته الآن مسيحية ، وهو رجل لا ينتمي في الأصل لدين إلا بكونه مولودا في بيئة مسلمة .
فقد ذكرت لي قصة لم أقرأها من كتاب ، مفادها : " أنه حين ركب في الباخرة متوجها للدراسة في فرنسا ، أصر على أن يحمل معه حجرا كبيراً ، فلما قطع أميالا في البحر ، نزع جبته وقفطانه وعمامته الأزهرية ، ولفها حول تلك الحجر ، وألقى بها في الماء قائلا : ليذهب الشيخ طه حسين إلى قاع هذا البحر ..  
 
 
طه حسين عائدا من باريس إلى مصر :
وبعد حصول طه حسين على الدكتوراه من باريس عام 1919عاد إلى مصر ومعه زوجته سوزان . وطبعا رجع بثياب " الخواجه " ، وليس بالزيِّ الأزهري ، فعين أستاذا للتاريخ في الجامعة المصرية ، ثم عميدا لكلية الآداب فيها ، ثم أحيل إلى التقاعد سنة 1932 ليعمل صحفيا ، ثم في سنة 1934 أعيد أستاذا للأدب في الجامعة المصرية ، ثم عميدا لكلية الآداب في هذه الجامعة عام 1936، ثم استقال من العمادة ، ليعود إلى التدريس ويستمر مدرسا حتى سنة 1942 حيث عين مديرا لجامعة الإسكندرية ، ومستشاراً لوزارة المعارف ، ومراقبا للثقافة، ثم أحيل للتقاعد عام 1944 ثم عين وزيرا للمعارف سنة 1950 فاستمر في منصبه لمدة سنتين . عين خلالهما رئيسا لمجمع اللغة العربية ، ثم ترك الوزارة ، وعاد للتدريس بصفة أستاذ غير متفرغ ، ثم عاد للعمل في الصحافة ..
وإننا إذ نتابع طه حسين في مسيرته الوظيفية ، نلاحظ عدم استقراره في أي عمل أسند إليه ، وأية وظيفة زاولها ، وإن دل ذلك على شيء ، فإنما يدل على طبيعته المشاكسة.. " قال عنه عبَّاس محمود العقاد : إنه رجل جريء العقل مفطور على المناجزة والتحدي .." انتهى كلامه .. أقول : صدق العقاد الوصف ، فكل ذي عاهة جبار .!! 
 
قلمه يدينه وزوجته أخبر بدينه :
إن المتتبع لكتابات طه حسين لن يخرج منها إلا بنتيجة واحدة ، هي أن هذا الرجل لم يخط مقالا ولا ألّف كتابا ، إلا وفيه النيل من الإسلام والمسلمين ، فهو معادٍ  لكل ما هو إسلامي . وإنه لمن الغريب حقا أن نجد أشخاصا من المثقفين يكذبون لتلميع هذا الرجل ، فينسبون إليه ما لم يقل وما لم يفعل .
لقد أطلت زندقتُه برأسها في وقت مبكر منذ عام 1914 فيما خط من رسالته للدكتوراه " في ذكرى أبي العلاء " .. وفي عام 1926 ألف طه حسين كتابه " في الشعر الجاهلي " متبنيا نظرية ديكارت في الشك ، فانتهى إلى القول بأن الشعر الجاهلي كتب بعد الإسلام ثم نحل إلى شعراء الجاهلية ، ثم تمادى فشكك بالقرآن ، فقال " ليس القرآن إلا كتاباً ككل الكتب الخاضعة للنقد , فيجب أن يجرى عليه ما يجرى عليها , وكان يقول لطلابه : إن العلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائياً عن قداسة القرآن التي تتصورونها , وأن تعتبروه كتاباً عادياً فتقولوا فيه كلمتكم , ويجب أن يختص كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب , ويبين ما يأخذه عليه .
وفي عام 1938؛ وضع كتابه الشهير "مستقبل الثقافة في مصر فدعا فيه إلى الأخذ بالثقافة الأوربية جملة واحدة ، من بابها إلى محرابها ، ودعا إلى نبذ القيم الإسلامية والعربية ، فهو يقول فيه : " علينا أن نسير سيرة الأوربيين , ونسلك طريقهم ، لنكون لهم أنداداً ، فنأخذ الحضارة خيرها وشرها, وحلوها ومرها, وما يُحَبُّ منها وما يكره, وما يحمد منها, وما يُعاب .. بل إنه شكك في كتابه هذا ببناء إبراهيم وإسماعيل للكعبة ، فقال :"  للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل بما شاءت ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما بما شاء ، ولكن هذا لا يكفي للإقناع بصحة وجودهما التاريخي " . وهو بهذا يشكك في أخبار القرآن وينكر وجود نبي اسمه إبراهيم وآخر اسمه إسماعيل .. وأدهى من هذا كله أنه كان يدعو إلى الإفطار في رمضان لمن يجد أدنى مشقة في الصيام .. وليس هذا وحسب بل إنه حتى في كتاباته الدينية كان خبيثا ، يدس السم في الدسم .. ففي كتابه على هامش السيرة وقد قرأته مرتين ، فرأيت أنه يشير بأسلوب خفي إلى أن النبي أخذ القرآن من علماء أهل الكتاب ، ويتبنى هذه الفكرة الخبيثة وينسج كتابه حولها ليشكك في المصدر الإلهي للقرآن الكريم .. وأصلا هو لا يحترم القرآن الكريم ، وقد فعل أسوأ من ذلك : في كتابه الفتنة الكبرى بقسميه حول " عثمان وعلي " رضي الله عنهما : حيث  حمل عليهما معاً ، وتطاول على الرعيل الأول من الصحابة الكرام , وصورهم بالسياسيين المحترفين الطامعين في السلطان.!! محاولاً انتزاع كل تقدير للصحابة أو توقير لهم من النفوس ..
ما أقبح وما أكذب ؛ أن يُلقب هذا الرجلُ بعميد الأدب العربي ، وهو لا يفتأ يدعو إلى سلخ مصر عن الأمة العربية لأنها في زعمه فرعونية ولا علاقة لها بعرب ولا بإسلام .. والأقبح منه ؛ أن ابنه يعيش في فرنسا ولا يحسن العربية .. وأنه هو وأهل بيته لا يتكلمون العربية ، يقول بواب منزله في القاهرة : " خدمت في هذا البيت 40 سنة ، فما سمعتهم يتكلمون العربية قط " ..
وأخيراً ، نقدم آخر خبرين من آخر محطات العمر لطه حسين :
الخبر الأول :
قالت زوجته الفرنسية سوزان في كتابها الذي الفته عنه بعنوان :
" معك " : إن طه حسين ترك الإسلام واعتنق الديانة المسيحية قبل وفاته بعدة شهور .. وجرى تعميده في الكنيسة ..
والخبر الثاني :
ذكرت زوجته قصيدة له بعنوان : [  كنت أعبد شيطان ] يقول فيها :
كنتُ أظـن أنك  المــضـلُ وأنك تهـدي  من تـشاءْ
الضـارُّ المقيتُ  المــذلُ عن صـلف  وعن  كبـريـــاءْ
جـبــــارُ  الـــبـــأس  تـكنُّ  للنـــاس  مـكــراً  ودهـــــــــاءْ
تقـطع أيـــادي  السـارقين  وترجم  أجساد النساءْ
تـقيم بالســـيف عــدلاً فـعدلك  في سفك  الدمـاءْ
فيا خـالق القاتـلين قـل لي  أين هو  الــــه الضعفاءْ
لو كنت خــالـق الكل  ما حــرمت بعضهم الـبقاءْ
وما  عساك من القــتل تجني غـــــير الهدم  والــفنــاءْ
فهل كنت أعبـد جـزاراً  يسحق  أكباد الأبـرياءْ ؟
أم كنـت  أعبـد شيـطاناً أرسل إلينا  بخاتم  الأنبياءْ
حسبتُ الجنة للمجاهدين سيسكن فيها الأقوياءْ
تمـــرٌ  وعـــنبٌ  وتـــيـنٌ  وأنـهــــــــــار خمــرٍ  للأتــقـيــــــــاءْ
خير مـلاذ  لجـائـعين  عاشـوا  في قـلب  الصحـــراءْ
وأسِرَّةٌ  من ياقــوت  ثمين  وحــور  تصدح بالــغـــنـاءْ
نحن عاشـــــقات  المـؤمنين  جـئنا  ولـبـينا  الـــــنـــــداءْ
جزاكم  الله بـنـا  فانـظروا كــــيف أحسن الله الجـزاءْ
هل جنـتك  كــفاحٌ وصـياحٌ  وإيـلاجٌ  دون انــثناءْ
تجدد  الحـور الثيب بكراً  وأنت من تقوم  بالرْفـاءْ
هل  كـنت أعــبدُ قـواداً  يلهـو في  عقول الأغبياءْ
أم  كنـت أعبـد شيـطاناً أرسل  إلينا  بخاتم الأنبياءْ
 
وأنني لأؤكد لك عزيزي القارئ الكريم ، أن هذه القصيدة هي من نظمه بأمارة أن وزنها لا يستقيم على أي بحر من بحور العروض، ومن المعروف عن المدعو عميد الأدب العربي طه حسين ، أنه لا يحسن أن يقول بيتا واحدا من شعر العرب .