المقالة (967) : باب ما جاء في القطايف
بقلم : ابو ياسر السوري
29 / 5 / 2017
=============
المقالة (967) : باب ما جاء في القطايف  Imagef-149609343713871-jpg
نشرت لكم منذ يومين مقالا عن السمبوسك .. وهو الأكلة المعروفة لدى السوريين وغيرهم ، وهي من المعجنات المحشوة باللحم والمكسرات والصنوبر .. وعلمتم أنه أكلة معروفة منذ قديم الزمن . وأن له ذكراً في التاريخ ، وفي كتب الفقهاء .. وأن له عدة أسماء ، سمبوسك ، وسمبوسج ، وسنبوسك ، وسنبوسق . وتعددت الأسماء ، والأكلة واحدة 
.. 
ولما نشر المقال ، علق على الموضوع أحد الإخوة فوعدنا مشكورا بأكلة سمبوسك ، وبيني وبينه مسافة لا تقل عن 2400 كيلو متر . ثم علق أخ ثانٍ فطالبنا بأن نحكي له عن القطايف ، لأنه يحبها . ويعجبه الحديث عنها ، على حد قول القائل :


[rtl]أعد ذكر من أهوى ولو بملامِ : فإن أحاديث الكرام مدامي
ونستأذن الشاعر بالتلاعب ببعض ألفاظ هذا البيت لضرورة المقام .. فنقول :
أعد ذكر ما أهوى ولو بملامِ : فإن أحاديث الطعام مدامي
 ونظراً لكون هذا الأخ لم يعدنا بشيء ، ولم يعلق آمالنا بوعد منه ولو بالكلام ، فأبدأ لأحدثه عن رؤية القطايف في المنام ، وماذا قال في ذلك أصحاب تفسير الأحلام .؟
قال مفسرو الرؤى يا سادة يا كرام، رؤيا القطايف في المنام، تُؤوَّلُ على أربعة أقسام:
 1 - كلام حلو لطيف .
 2 - ومال حلال شريف .
 3 - ونعمة تثير العجب .
 4 - ومنفعة بلا تعب .
وعلى هذا التأويل تكون رؤيا القطائف في المنام أنفع من أكلها.. 
 
فأما (الكلام الحلو اللطيف ) فهو أحد المطالب العالية ، التي دعا به إبراهيم عليه السلام لنفسه وطلبه من ربه ، وذلك ما أخبر القرآن عنه في سورة الشعراء/84" وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ " أي اجعل لي في الناس ذكرًا حسنا ، باقيا عبر القرون بعدي .

وأما ( المال الحلال الشريف ) : فالحلال حلو العاقبة ، والشريف أي يستشرف الناس إليه بعيونهم إعجابا به ، كالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والدار العامرة، والسيارة الفاخرة، والأموال الوافرة . 
 
وأما ( النعمة التي تثير العجب ) فهي الحال الطيبة التي تثير فضول الناس وإعجابهم ويغبطه الناس عليها .

وأما (المنفعة بلا تعب) فهي الرزق الذي لا يحتاج إلى كدّ ولا شقاء  .
[/rtl]


[rtl]
 علاقة القطايف باسمها :

ولعل أهل اللغة ، يتساءلون عن أصل هذه التسمية . من أين جاءت ؟.. فمن أراد الهروب من الجواب ، قال : الأسماء لا تعلل .. مع أن الصواب : أنها تعلل . فقد سئل عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ، لم سمَّيْتَ حفيدَك " محمدا " وهو اسم غير شائع عند العرب؟ قال : لتكثر محامده .. وهذا يعني أن العرب كانت تعلل الأسماء ، وتقول بوجود علاقة بينها وبين مسماها .. ولذلك قالوا : لكل مسمى من اسمه نصيب ..
 و( القطايف ) في اللغة جمع قطيفة . وهي الثياب المخملية ذات الهدب القصير اللين .. شبهت بها القَطايف التي تؤكل للينِ ملمسها، ولينِ مساغها عند البلع أثناء الأكل ..
أقول هذا ، وأتذكر حادثة ( الخنفشار) واسمحوا لي أذكّر بها للفائدة .. قيل إن أحد المعلمين كان لا يُسأل عن معنى كلمة إلا أجاب عنها بشعر ، فاجتمع إليه ذات يوم ستة من تلاميذه ، اتفقوا فيما بينهم ، أن يأخذ كل منهم الحرف الأول من اسمه ، فيؤلفوا كلمة غريبة يسألون المعلم عنها .!! فاجتمعت لهم كلمة ( خنفشار) ، ولما سألوا المعلم أجابالخنفشار نبت لا يوجد إلا في الصحراء، إذا كسرت أعواده الطرية ، خرج منها سائل كالحليب ، ومنه قول الشاعرلقد عُقدت محبتكم بقلبي : كما عقد الحليب الخنفشارُ
ذكرت هذه القصة ، لئلا يتهمنا أحد بأننا نفسر القطايف على طريقة صاحب الخنفشار .. ولا أخفيكم أنني حين شرعت في كتابة هذا الموضوع ، خطر لي شيء من هذا القبيل . ولكنْ ظهر لي أخيرا : أن " القطايف " حلوى حقيقية ، وأنها موجودة منذ القدم ، ومنتشرة بين العرب والعجم ، حتى إن موسوعة اليهود تقول " إن يهود العراق اعتادوا أن يفطروا بعد صيام يوم الغفران على «البامية»، ويأكلوا حلوى اسمها«ata-if» أي « قطايف » .. ولا يعني هذا أن القطايف أكلة يهودية ، فهي أكلة شرقية عربية من غير شك ، وأخذها اليهود الشرقيون من العرب ، وتعرفوا عليها منهم ، بدليل أن القطايف ذكرت في مراجع عربية قديمة ، بعضها يعود إلى ما قبل ألف ومائتي عام .
[/rtl]


[rtl]
 جاء في كتاب مفاتيح العلوم – لأبي عبد الله الخوارزمي

الفرَانى ، جمع فرنَى ، قال الخليل (1700هـ) : هي خبزة غليظة مشكلة مصعـنبة ، تشوى ثم تروى لبناً وسمناً وسكراً ، وهو منسوب إلى الفرن ، وهو تنور ضخم يخبز فيه القطايف ، شبهت بالقطايف من الثياب، التي واحدتها قطيفة، وهي دثار مخملي معروف. انتهى كلامه.
أقول : ولغرابة كلمة الفراني ، ذكرها صاحب الخنفشار بقوله : 

قلتُ للقلبِ ما دهاكَ أبِنْ لي : قــال لي بــــائــعُ الفَرَاني  فَرَاني
نـاظــراهُ فيمـــا جَـنَـتْ نـاظـراهُ : أو دعاني أمُتْ  بـما أودعاني
[/rtl]


[rtl]
 وجاء في تهذيب اللغة للأزهري (370هـ) :
القَطائف طعام يُسَوَّى من الدقيق الذي يُرَقُّ بالماء ، شبهت بقطيفة المخمل اللينة التي تُفْترش ..
[/rtl]


[rtl]
 قال في [طبقات الحنابلة ] :

قال إسماعيل بن العلاء: دعاني الكلوذاني رزق الله بن موسى، فقدَّم إلينا طعاما كثيرا، وكان في القوم أحمد بن حنبل (241هـ) ويحيى بن معين وأبو خيثمة وجماعة، فقدَّم لوزينج (حلوى تشبه القطايف)، أنفق عليها ثمانين درهما، فقال أبو خيثمة: هذا إسراف. قال: فقال أحمد: لو أن الدنيا جُمعت حتى تكون في مقدار لقمة، ثم أخذها امرؤ مسلم ، فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفا. قال: فقال يحيى: صدقت يا أبا عبد الله .
[/rtl]


[rtl]
 وفي نوادر الأصول في أحاديث الرسول للحكيم الترمذي (320هـ  ) :

ذكر أشياء من اللطائف الإلهية بالعبد وقال : [ هي عند العارف أحلى من القطايف..]
[/rtl]


[rtl]
 وجاء ذكرها في طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي :

حيث أورد السبكي حكاية الفقيه الشافعي أبي الطاهر (250هـ) قال : 
 
[ اشتهت نفسي ليلة قطايف ولم يكن عندي شيء ، واشتدت مطالبة النفس بها فقلت : لا شيء عندي فقالت " أي نفسه " : البيَّاعُ الذي تستجرُّ منه مجاور صاحب القطايف يأخذ لك منه ما تحب .. ] .
[/rtl]


[rtl]
 وجاء ذكر القطايف في بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم :

قال أنبأنا الشريف أبو حامد محمد بن عبد الله الهاشمي قال : أنشدنا عبد القاهر ابن علوي المعري لأبي اليمن الرشيد بن علي بن المهنا (582هـ) في القطايف :
شفاءُ نفسي لو به أُســعفتْ : قطـايــفٌ تَـعـذُبُ في اللّقْمِ
يَشــهَدُ بالشـهدِ لـنا ظاهـرٌ : وبــاطنٌ في الـلـونِ والطَّعمِ
كأنَّـهــا الإسـفنج في مائِــهِ : غــريـقـةٌ في دهـنهــا  الجمِّ
[/rtl]


[rtl]
 قال حاجي خليفة في كشف الظنون :
إن السيوطي ( 911 هـ ) جمع كتابا في الكنافة والقطايف ، سماه :
منهل اللطائف في الكنافة والقطائف "
[/rtl]


[rtl]
 أما بعد :

فإن القطايف بالجبنة، والقطايف بالجوز، والقطايف بالقشطة ، هي من أشهر الحلويات التي يعنى بها السوريون في شهر الصيام ..
وها هو ذا صدر القطايف أمامكم ، فدونكم ما تشتهون ..
[/rtl]