شرح حديث أم زرع  :
بقلم : أبو ياسر السوري
16 / 8 / 2017
==============
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا ...
قَالَتْ الْأُولَى : زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ ، لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى ، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ .
قَالَتْ الثَّانِيَةُ : زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ .
قَالَتْ الثَّالِثَةُ : زَوْجِي الْعَشَنَّقُ ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ ..
قَالَتْ الرَّابِعَةُ : زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ؛ لَا حَرَّ وَلَا قُرَّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ .
قَالَتْ الْخَامِسَةُ : زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ .
قَالَتْ السَّادِسَةُ : زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ ، وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ ، لِيَعْلَمَ الْبَثَّ .
قَالَتْ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ ، أَوْعَيَايَاءُ ، طَبَاقَاءُ ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، شَجَّكِ ، أَوْ فَلَّكِ ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ .
قَالَتْ الثَّامِنَةُ : زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ .
قَالَتْ التَّاسِعَةُ : زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِي .
قَالَتْ الْعَاشِرَةُ : زَوْجِي مَالِكٌ ، وَمَا مَالِكٌ ، مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ ..
قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، وَبَجَّحَنِي فَبَجَحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ ..
أُمُّ أَبِي زَرْعٍ : فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ..
ابْنُ أَبِي زَرْعٍ : فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ ..
بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ : فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ، طَوْعُ أَبِيهَا ، وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا .
جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ : فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا ، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا .
قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا  كَالْفَهْدَيْنِ ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ،
فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا ، قَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ .. فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ ..
قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ..
::::::::::::::::
شرح الحديث باختصار :
::::::::::::
1 - قالت الأولى : زوجها قليل الخير من جهة أنه لحم جمل كريه ، وأنه مهزول رديء ، وأنه خيره صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة ..
2 - قالت الثانية : زوجها كثير العيوب في أخلاقه ، ولا تريد أن تنشر عيوبه مخافة أن يطلقها .
3 - قالت الثالثة : زوجها سيئ الخلق يملك أمر نفسه ولا تتحكم فيه النساء بل هو يحكم فيهن لذلك زوجته تهابه ، وتقول إذا حكيت يطلقني ، وإذا سكت أعلق أي ابقى مهملة وما لي قيمة عنده .
4 - قالت الرابعة : تقول : زوجها يشبه ليل مكة في الأمن والأمان ، مريح ولذيذ . ليس فيه حر ولا برد ولا تخاف من سوء يأتيها منه ، لكرم أخلاقه ، وهو لا يسأمها ولا يمل منها .
5 - قالت الخامسة : تقول : زوجها سهل معها ، لا يعاتبها بشؤون البيت ، وإذا خرج من البيت فهو صعب على أعدائه كأنه الأسد .
6 - قالت السادسة : زوجها يأكل كثيرا ، ويشرب كثيرا ، ويلتف وينام بعيدا ، لا يسالها عن شأنها وكأنها لا تعني له شيئا .
7 - قَالَتْ السَّابِعَةُ : زوجها منهمك في شر مظلم ، وهو لا يحسن الكلام ، وأحمق حمقا مطبقا . وما داء في الناس إلا وهو فيه . اجتمعت فيع كل العيوب . وأنه يشجها في رأسها ، ويجرحها بالضرب في جسدها . ويؤذيها بكل أنواع الإيذاء ...
8 - قالت الثامنة : زوجها هين لين ، طيب السمعة والكلام .
9 - قالت التاسعة : زوجها ذو حسب رفيع في قومه ، جواد ، طويل القامة ، مضياف رماده كثير . بيته قريب من نادي قومه ليمون أقرب إلى الضيوف .
10 - قالت العاشرة : زوجها اسمه مالك ، وعظمت من شأنه ، وزعمت أنه أكبر من كل مالك في الدنيا ، مبارك إبله قريبة من بيته ،فإذا حل عنده ضيف كانت قريبة منه فيذبح منها ويطعم الضيفان . وكان إذا جاءه ضيوف أمر بضرب المزهر احتفالا بهم . فإذا سمعت إبله صوت المزهر عرفن أنهن هوالك وسيذبحن للضيوف .
11 - قالت الحادية عشرة : زوجها أبو زرع ، وعظمت شأنه أيضا ، وقالت : إنه قلدها بالحلي والمصاغ من الذهب والفضة ، في أذنيها ، وفي عضدها ، وتقول : بجحني أي وسع علي وأترفني ، رآني في شظف من العيش وفي بيت فقير ، فنقلني إلى بيت فيه خيل تصهل ، وإبل تئط ، ولديهم زرع يدرسونه ، وينقونه من التبن .. وصارت كلمتها في بيته مسموعة ، فلا يقبح كلامها ، وتنام حتى الصباح فهناك من يقوم بخدمتها ، وإذا شربت لا يقطع أحد عليها شرابها ..
:::::::
وتقول عن أم زوجها : بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش واسعة المال كبيرة البيت ، كناية عن كثرة الخير ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم .
::::::::
وتصف ابن أبي زرع بأنه : كالسيف المسلول من غمده وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف إما لخشونة الجانب وشدة المهابة وإما لجمال الرونق وكمال اللألاء وإما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها ، يكفيه القليل من الطعام ، والقليل من الشراب أيضا .
:::::::::
وتصف بنت أبي زرع بأنها : وقرة عين لأبيها وأمها وزين لأهلها . وملء كسائها كناية عن امتلاء جسمها وسمنها قوله وغيظ جارتها المراد بالجارة الضرة أي يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وأدبها وعفتها .
::::::::::
وتصف جارية أبي زرع بأنها : لا تنشر أحاديثهم بين الناس ، ولا تسرق من ميرتهم ، ولا تترك القمامة منثورة في البيت كأنه العش من كثرة العيدان والتراب .
::::::::::
تقول : خرج ابو زرع ايام الربيع واللبن يمخض بالسقاء ، لفصل الزبد عن اللبن , فقابل امرأة كبيرة العجيزة ، كبيرة رمانتي الصدر ، معها ولدان كالفهدين ، فتزوجها ..
::::::::
تقول أم زرع : فطلقته . وتزوجت بعده رجلا غنيا ، له فرس جامح ، ورمح خطي ، وساق لها الكثير من المال والنعم ، وأعطاها من كل صنف زوجا .. وقال لها : كلي وميري أهلك ..
تقول : ومع كل هذا السخاء والعطاء من زوجها الثاني ، فإنه  لو جمعت كل شيء أعطانيه فإنه لا يساوي أصغر عطايا أبي زرع ..
:::::::::

تقول السيدة أم المؤمنين عائشة : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ..