سياحة فكرية مع عشر ذي الحجة :
27 / 8 / 2017
بقلم : ابو ياسر السوري
=============
دلالة القسم بها في القرآن وأسرار ذلك :
قال تعالى : " وليال عشر " وما أقسم الله تعالى بشيء من مخلوقاته إلا لينبهنا إلى أن المقسم به هو معظم عنده ، وأن على العباد تعظيمه ، والمؤمن الموفق من عظم ما عظم الله ، ورفع من شأن ما رفع ، وقدم ما قدم وأخر ما أخر ، امتثالا لأمره وطلبا لرضاه ..
وقد وجدنا أن الله تعالى أقسم بأشياء من خلقه ، أقسم بالشمس وضحاها ، والقمر إذا تلاها ، والنهار إذا جلاها ، ونفس وما سواها .. وأقسم بالنجم إذا هوى ، وأقسم بالليل إذا يغشى ، وبالنهار إذا تجلى ، وأقسم بالضحى ، والليل إذا سجى ، وأقسم بالخيل العاديات ، وبالرياح الذاريات .. وفي كل ذلك تعظيم من الله للمقسم به ..ونحن ليس لنا أن نقسم إلا بالله الذي خلقنا وخلق هذه الأشياء العظيمة التي أقسم بها ربنا عز وجل ..
والبحث في أسرار هذه الأقسام يطول .. ويطول . حتى إن ابن القيم رحمه الله ألف كتابا كاملا في " أقسام القرآن " وبين بعض أسرار القسم في كل منها .. وتبقى أسرار وأسرار يعلمها ربنا ونجهلها .. كشأننا مع كل آية نفسرها من كتاب الله عز وجل ، فنهتدي لبعض معانيها ويغيب عنا جوانب لا ندري عنها ، ولا نقف على كنهها .. ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *) لقمان/27
تعيين المراد بهذه الليالي العشر ؟؟
اختلف في تعيينها على ثلاثة أقوال :
1 – قيل إنها : عشر ذي الحجة :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلا رَجُلٌ يَخْرُجُ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فَلا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ
2 – وقيل هي العشر الأواخر من رمضان :
وقد روي عن ابن عباس أيضا قال : هي العشر الأواخر من رمضان ، لأن فيها ليلة القدر ، ولأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا ليله ، وشد مئزره ، وأيقظ أهله ، يعني للعبادة .
3 – وقيل هي العشر الأول من شهر محرم :
لأن فيه يوم عاشوراء . الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون ، وأغرق فيه عدوه فرعون وجنوده .. وقد أوجب النبي صيامه ، ثم نسخ الوجوب بصيام رمضان . وبقي صيامه نفلا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه .
هل الأيام العشر هي الليالي العشر .؟ :
رأينا أن القرآن قال " وليال عشر " بينما جاء في حديث ابن عباس التعبير بالأيام العشر عن هذه الليالي العشر .. فهل هذا تناقض بين الحديث والقرآن .؟
الجواب :
( 1 ) ليس هنالك تناقض ، ففي اللغة العربية يطلق اليوم ويراد به " النهار والليلة معا " من الشروق إلى الشروق ، أو من المغيب إلى المغيب .. يؤيد هذا قوله " يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ " فذكر العدد على اعتبار " عشر " مع المعدود " الأيام " معتبرا الأيام لياليا .. ولولا هذا الاعتبار لوجب تأنيث العدد .. لأن العدد " عشر " مفردا يكون عكس المعدود من حيث التذكير والتأنيث .. نقول عشرة رجال .. وعشر نسوة ..
( 2 ) حين يقول الحديث النبوي " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ " فإن الليالي تدخل في عموم الأيام ..
وكان الحديث يشير إلى أن العمل في هذه العشر سواء أوقع نهارا أم وقع ليلا ، فالأجر فيهما سيان ، لا فرق بين وقوعه ليلا أو نهارا .. فالتعبير بالأيام الوارد في الحديث جاء ليفيد هذه الفائدة .. ولولا ذلك لتمحض فضل العمل بالأعمال التي تقع ليلا فقط .
ما سر فضل هذه الليالي أو الأيام العشر :
قيل : سر فضلها أنه يكون الحج فيها ، والحج رحلة تفرض فيها المساواة قسرا بين الأغنياء والفقراء في الملبس . فلا لباس سوى إزار ورداء غير مخيطين .. وكلهم مكشوفوا الرؤوس والأرجل . فلا تمايز هنالك بين الناس وكأنهم في يوم المحشر .. وفي الحج المبرور يرجع الناس كيوم ولدتهم أمهاتهم من دون ذنوب ..
فشرع لمن لم يحج مضاعفة الأعمال الصالحة ليكون شريكاً للحجاج في غفران الذنوب ..
وقيل : بل سر فضلها يرجع إلى كونها هي الليالي العشر التي أتم الله بها ميقاته لموسى عليه السلام بأن يلقاه ويكلمه وينزل عليه التوراة . وهي المذكورة بقوله تعالى في سورة الأعراف ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) قالوا : هي ثلاثون ذي القعدة والعشر التي تليها من ذي الحجة . فلقي ربه وكلمه ثم انزل عليه التوراة في العشر فيها حكم الله وشرعه العادل ، وزوال حكم فرعون وقوانينه الظالمة .
وهنا [ نسأل أيضا] لم كان التعبير في قوله " أربعين ليلة " بالليلة دون اليوم ؟
و[ الجواب] إنه قرن الميقات بالليل دون النهار, لأن شهور العرب وضعت على سير القمر وأهلته , والأهلة لا ترى إلا بالليل .. لذلك غلب الليل على النهار في تحديد الميقات الزمني بين موسى عليه السلام ورب العزة سبحانه وتعالى .
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الأحد سبتمبر 03, 2017 1:07 am عدل 1 مرات
27 / 8 / 2017
بقلم : ابو ياسر السوري
=============
دلالة القسم بها في القرآن وأسرار ذلك :
قال تعالى : " وليال عشر " وما أقسم الله تعالى بشيء من مخلوقاته إلا لينبهنا إلى أن المقسم به هو معظم عنده ، وأن على العباد تعظيمه ، والمؤمن الموفق من عظم ما عظم الله ، ورفع من شأن ما رفع ، وقدم ما قدم وأخر ما أخر ، امتثالا لأمره وطلبا لرضاه ..
وقد وجدنا أن الله تعالى أقسم بأشياء من خلقه ، أقسم بالشمس وضحاها ، والقمر إذا تلاها ، والنهار إذا جلاها ، ونفس وما سواها .. وأقسم بالنجم إذا هوى ، وأقسم بالليل إذا يغشى ، وبالنهار إذا تجلى ، وأقسم بالضحى ، والليل إذا سجى ، وأقسم بالخيل العاديات ، وبالرياح الذاريات .. وفي كل ذلك تعظيم من الله للمقسم به ..ونحن ليس لنا أن نقسم إلا بالله الذي خلقنا وخلق هذه الأشياء العظيمة التي أقسم بها ربنا عز وجل ..
والبحث في أسرار هذه الأقسام يطول .. ويطول . حتى إن ابن القيم رحمه الله ألف كتابا كاملا في " أقسام القرآن " وبين بعض أسرار القسم في كل منها .. وتبقى أسرار وأسرار يعلمها ربنا ونجهلها .. كشأننا مع كل آية نفسرها من كتاب الله عز وجل ، فنهتدي لبعض معانيها ويغيب عنا جوانب لا ندري عنها ، ولا نقف على كنهها .. ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *) لقمان/27
تعيين المراد بهذه الليالي العشر ؟؟
اختلف في تعيينها على ثلاثة أقوال :
1 – قيل إنها : عشر ذي الحجة :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلا رَجُلٌ يَخْرُجُ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فَلا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ
2 – وقيل هي العشر الأواخر من رمضان :
وقد روي عن ابن عباس أيضا قال : هي العشر الأواخر من رمضان ، لأن فيها ليلة القدر ، ولأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا ليله ، وشد مئزره ، وأيقظ أهله ، يعني للعبادة .
3 – وقيل هي العشر الأول من شهر محرم :
لأن فيه يوم عاشوراء . الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون ، وأغرق فيه عدوه فرعون وجنوده .. وقد أوجب النبي صيامه ، ثم نسخ الوجوب بصيام رمضان . وبقي صيامه نفلا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه .
هل الأيام العشر هي الليالي العشر .؟ :
رأينا أن القرآن قال " وليال عشر " بينما جاء في حديث ابن عباس التعبير بالأيام العشر عن هذه الليالي العشر .. فهل هذا تناقض بين الحديث والقرآن .؟
الجواب :
( 1 ) ليس هنالك تناقض ، ففي اللغة العربية يطلق اليوم ويراد به " النهار والليلة معا " من الشروق إلى الشروق ، أو من المغيب إلى المغيب .. يؤيد هذا قوله " يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ " فذكر العدد على اعتبار " عشر " مع المعدود " الأيام " معتبرا الأيام لياليا .. ولولا هذا الاعتبار لوجب تأنيث العدد .. لأن العدد " عشر " مفردا يكون عكس المعدود من حيث التذكير والتأنيث .. نقول عشرة رجال .. وعشر نسوة ..
( 2 ) حين يقول الحديث النبوي " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ " فإن الليالي تدخل في عموم الأيام ..
وكان الحديث يشير إلى أن العمل في هذه العشر سواء أوقع نهارا أم وقع ليلا ، فالأجر فيهما سيان ، لا فرق بين وقوعه ليلا أو نهارا .. فالتعبير بالأيام الوارد في الحديث جاء ليفيد هذه الفائدة .. ولولا ذلك لتمحض فضل العمل بالأعمال التي تقع ليلا فقط .
ما سر فضل هذه الليالي أو الأيام العشر :
قيل : سر فضلها أنه يكون الحج فيها ، والحج رحلة تفرض فيها المساواة قسرا بين الأغنياء والفقراء في الملبس . فلا لباس سوى إزار ورداء غير مخيطين .. وكلهم مكشوفوا الرؤوس والأرجل . فلا تمايز هنالك بين الناس وكأنهم في يوم المحشر .. وفي الحج المبرور يرجع الناس كيوم ولدتهم أمهاتهم من دون ذنوب ..
فشرع لمن لم يحج مضاعفة الأعمال الصالحة ليكون شريكاً للحجاج في غفران الذنوب ..
وقيل : بل سر فضلها يرجع إلى كونها هي الليالي العشر التي أتم الله بها ميقاته لموسى عليه السلام بأن يلقاه ويكلمه وينزل عليه التوراة . وهي المذكورة بقوله تعالى في سورة الأعراف ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) قالوا : هي ثلاثون ذي القعدة والعشر التي تليها من ذي الحجة . فلقي ربه وكلمه ثم انزل عليه التوراة في العشر فيها حكم الله وشرعه العادل ، وزوال حكم فرعون وقوانينه الظالمة .
وهنا [ نسأل أيضا] لم كان التعبير في قوله " أربعين ليلة " بالليلة دون اليوم ؟
و[ الجواب] إنه قرن الميقات بالليل دون النهار, لأن شهور العرب وضعت على سير القمر وأهلته , والأهلة لا ترى إلا بالليل .. لذلك غلب الليل على النهار في تحديد الميقات الزمني بين موسى عليه السلام ورب العزة سبحانه وتعالى .
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الأحد سبتمبر 03, 2017 1:07 am عدل 1 مرات