الخلاف في تعيين يوم عرفة وما يترتب عليه من أحكام فقهية : 
11 / ذي الحجة / 1438هـ
بقلم : ابو ياسر السوري
================

الخلاف في تعيين يوم عرفة وما يترتب عليه من آثار فقهية Do
لقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى صيام يوم عرفة ، وقال " إني لأحتسب على الله أن يكفر عاما قبله وعاما بعده ..
والسؤال : هل يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة ؛ أم هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج على عرفات .؟ وهل هو موحد بين كافة الأقطار الإسلامية ، أم أنه يختلف من قطر لآخر .؟ 
وهل يصوم المسلمون يوم وقفة الحجاج على عرفات أم يصومون اليوم التاسع من ذي الحجة سواء أوافق وقفة الحجاج أم لا .؟
الجواب
بسم الله . والحمد لله .
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد :
إن تحديد يوم عرفة ، هو محل خلاف لدى الفقهاء منذ قديم الزمن .. وسبب الخلاف في هذه المسألة ؛ يرجع إلى اختلافهم في أمرين :
الأمر الأول : هل عرفة علم على المكان .؟ أم علم على الزمان؟
فمن ذهب إلى أن (عرفة) علم على المكان قال : بأن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجيج بعرفة .
ومن ذهب إلى أنه علم على الزمان ذهب إلى : أن (عرفة) هو اليوم التاسع من ذي الحجة وإن لم يكن موافقًا لوقفة الحجاج بعرفة .
الأمر الثاني : هل مطلع هلال الشهور القمرية واحد في الدنيا كلها أم أنه مختلف من قطر لآخر في الكرة الأرضية ؟
فمن ذهب إلى أن الهلال يختلف باختلاف المطالع ، قال : بأن يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة بناء على رؤية كل بلد .
ومن ذهب إلى أن الهلال لا يختلف باختلاف المطالع ، قال: بأن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة .
والأرجح في هذه القضية القول بأن (عرفة) علم على الزمان .. وأن يوم ( عرفة ) يختلف باختلاف المطالع من بلد لآخر .. وعليه فكل بلد يصوم بحسب مطلعه ، ولا ضرر في أن يكون يوم عرفة مختلفا من بلد لبلد .. فكل أهل بلد يصومون بحسب مطلعهم ، ويكتب لهم الثواب الموعود على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " . 
وأرى كذلك أنه على كل أهل قطر أن يتبعوا إمام بلدهم وما رآه المسلمون من أبناء ذلك البلد في تعيين يوم عرفة ، وأن لا يخرج أحد منهم عن رأي إمامه وجماعة المسلمين في هذه القضية .. 
والذي رجَّح لديَّ هذا الرأي هو قياسُ ( تعيين أول شهر ذي الحجة ) على ( تعيين أول يوم من رمضان ) وربط ذلك كله برؤية الهلال في كل بلد إسلامي عملا بالحديث الشريف " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " وهذا يعني : أنه يجب على أهل كل بلد أن يصوموا لرؤية الهلال ويفطروا لرؤيته ، فإذا غم عليهم فليتموا عدة شعبان ثلاثين يوما .. ثم لو تبين لهم بعد ذلك أنهم أخطؤوا ، ولم يصيبوا عين اليوم الأول من رمضان في واقع الأمر ، فصيامهم صحيح وخطؤهم مغفور ، لأنه خطأ كان بسبب عدم التمكن من رؤية الهلال ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .. 
وكذلك - فيما أرى – هو الشأنُ في يوم عرفة ، فلو اختلف في تعيينه من قطر لآخر ، فليعمل كل قطر بهذا الحديث النبوي الذي ربط العمل بثبوت رؤية الهلال ، فإن لم يُر الهلالُ قام الحساب العددي مقام الرؤيا بإتمام عدة ذي القعدة ثلاثين يوما ، ثم يكون اليوم التاسع من ذي الحجة هو يوم عرفة .. 
وهذا يعني أنه لا ما نع يمنع من وقوع الاختلاف في تعيين يوم عرفة من قطر لآخر . فمن أصاب عين هذا اليوم فصامه فهو مأجور ، ومن أخطأ عينه فصامه فهو مأجور أيضا.. ويكون لكل من المخطئ والمصيب حظه من الرحمات والتجليات الإلهية ...
ومما يتعلق بهذه المسالة ، السؤال التالي : 
[ ما الحكم فيما لو أخطأ الناس ؛ فوقفوا على عرفات قبل يوم عرفة أو بعده ، فماذا عن حجهم في تلك الحال .؟ هل حجهم باطل أم صحيح .؟ ] .
قال الإمام النووي الشافعي - رحمه الله - : « وإن غلطوا بيوم واحد فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم ، وتم حجهم ، ولا قضاء » المجموع (8/292) . 
وقال ابن قدامة الحنبلي - رحمه الله - : « وإذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة ، أجزأهم ذلك » المغني (5/429) .
وختاما ، أرجو أن يكون الرأي قد وضح ، وزال الإشكال حول هذه المسألة .. والله ولي التوفيق .