"بيان فضائل ليالي رمضان" :
إنَ من فضل الله أنَ رمضان ليس فقط يَفضُل في نَهارهِ بل حتى في لياليهِ المباركة ولو كان من فضيلة رمضان أن فيه ليلة خير من ألف شهر لكفى بها فضيلة فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال : دخل رمضان فقال رسول اللهﷺ :[ إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم] صححة الألباني في ابن ماجة
وأنَ من فضل هذه الليلة المباركة التي هي من أفضل ليالي الدنيا على الإطلاق أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيها القران على أفضل الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وبلغة كلام العرب الكرام قال تعالى في كتابة الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم  :{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } سورة الدخان
بل قد صح عن رسول الله ﷺ أن الكتب  المقدسة السماوية أنزلت في ليالي رمضان فقد صحح الألباني في السلسلة الصحيحة عن قتادة عن واثلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لاثنتي عشرة من رمضان وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان] أي في ليلة خمس وعشرين من رمضان الموافق ليوم أربع وعشرين مضت من رمضان لأن الليالي تسبق الأيام
وفي هذا الحديث ما يَدُل على أنَ ليلة القدر لا تستقر على ليلة واحدة معينة في كل السنوات كما يظن البعض في ليلة السابع والعشرين فهذا غير صحيح فقد كانت أول الأمر كما في هذا الحديث ليلة القدر في ليلة الخمس والعشرين حين أنزل القرآن فيها وقد تكون فيما بعدها من السنوات في ليلة السابع والعشرين كما وقعت في زمن النبي ﷺ عندما أقسم أبي ابن كعب أنها كانت في ليلة السابع والعشرين وقد تكون في السنة التي بعدها في أحد ليالي رمضان الأواخر الوترية في غير ليلة السابع والعشرين وهكذا...
فضل من قام ليالي رمضان بغفران الذنوب في الدنيا ورفع الدرجات في الآخرة :
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: [صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل بنا، حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: [«إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة]» صححه الالباني في السلسة الصحيحة والمقصود بإنصراف الإمام في الحديث هو انصرافه من الصلاة بالتسليم من صلاة القيام سواء كانت تلك الصلاة قيام التراويح أو قيام التهجد
وفي هذا الحديث فضيلة لمن قام مع الإمام في صلاة القيام بأن يكتب له الغفران إذا احتسب الأجر و الإيمان فالنبي علية الصلاة والسلام يقول : [من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه]  متفق عليه وإذا كانت تلك الليلة التي قام بها ايمانا واحتسابا مع الامام ليلة القدر فأنهُ يكتب له قيام ليلة القدر مع غفران الذنب وعظيم الأجر تفضلاً من الله سبحانه وتعالى لهذه الأمه فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :[من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه] متفق عليه
معظم أوقات ليالي رمضان فضيلة :
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [إن الله يمهل في شهر رمضان كل ليلة حتى إذا ذهب الثلث الأول من الليل هبط إلى سماء الدنيا ثم قال : هل من سائل فيعطى هل من مستغفر فيغفر له هل من تائب فيتاب عليه ] رواه أبو عاصم في السنن وصححه الألباني
والفضيلة لليالي رمضان في هذا الحديث عن بقية الليالي في غير رمضان أنَ الله سبحانه وتعالى يَنزل بنسبة لنا بغير تكيف و لا تعطيل إلى السماء الدنيا في كل الليالي في الثلث الأخير في غير رمضان أما في ليالي رمضان فإن الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأول حتى ينفجر ضوء الفجر كما في رواية أخرى صحيحة عند مسلم والنسائي من رِوَايَة الْأَغَر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :[ إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ]وهذا الحديث عام في ليالي الشهور و قيدته الرواية السابقة التي عند ابن ابي عاصم في السنن في شهر رمضان
فيكون الوقت في ليالي رمضان من أول الليل الى ضوء الفجر موسع لسآئلين عن العطاء والتوبة والغفران في رمضان بخلاف بقية الليالي في غير رمضان فإن الوقت مضيق في الثلث الأخير
والثلث الأول من ليل رمضان المبارك هذا الموافق لشهر مارس الساعة تسع ونصف  ٩:٣٠ مساءاً
وقد روى الثقات عن خير الملا
بأن الله عز وجل وعلا
ينزلُ من رمضان في الثلث الأول يقولُ
هل من سآئل فيعطى هل من تآب فيقبولُ
وقد ترجم رسول اللهﷺ مايقوله عن فضائل ليالي رمضان بالمبادرة بالأعمال الصالحه والدعا والقيام فيها كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام في ليلة بدر المباركة التي كانت في ليلة رمضان فقد كانﷺ يصلي بالقيام والدعا فيها كثيرا حتى تَفجر الفجر بضوء الصبح الساطع فعنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : [ لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا فِينَا إِنْسَانٌ إِلَّا نَائِمٌ ، إِلَّا رَسُولَ اللهِ ﷺ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ، وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ ] صححه الأرنوؤط في مسند الامام احمد
ومعلوم أنَ رمضان فرض في السنة الثانية من الهجرة الموافق لمعركة بدر الكبرى مما يعني أنَ تلك الليلة التي قام بها رسول الله ﷺ كاملة ويدعوا فيها كانت من ليالي رمضان المباركة المستجابة
وفي الحديث السايق دلاله صريحة على جواز قيام ليل رمضان كله دون نومٍ يَسبقهُ وأنَ من فعَله ناويًا القيام فيها يُعتبر قائما كما فعل رسول اللهﷺ في لية بدر في رمضان فلم ينم عليه الصلاة والسلام هو وعلي رضي الله عنه في تلك الليلة وإن كان القيام بعد نومٍ أفضل
وفي هذا الحديث أيضا يُعلمنا رسول الله ﷺ وهو المستجاب الدعوة في إستغلال ليالي رمضان في الإلتجاء الى الله سبحانه وتعالى والدعا فيها بالنصر على الاعداء
وما أحوج الأمة اليوم في إستغلال ليالي رمضان في الإلتجاء الى الله سبحانه وتعالى و الدعاء فيها على الأعداء فقد تكالب علينا الأعداء وما لنا إلا الله جلا وعلا أنْ نسأله في هذه الليالي خير الدنيا والآخره ونصرهُ الذي لا يُغلب على الأعداء فإن الدعا في ليالي رمضان مستجاب فعن جابر رضي الله عنه أن النبيﷺ قال: [«إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم دعوة مستجابة» ] رواه أحمد وصححه الألباني
وإني لأستغرب لمن يلهوا في ليالي رمضان معرضّا عن الرحمن منزل القرآن في ليل رمضان وحال الأمه يُرثى لها من تكالب الأمم عليها من كل مكان لما أصابها من الوهن و ليس ذلك من قلّتها وخيرآتها بين الٱمم ولكن لحبها الدنيا الفان وكراهيتها الجهاد في سبيل الرحمن الذي يهب وينزع بيده الملك والسلطان فعن أبي هريرة قال : قال رسول اللهﷺ:[  لا تسُبُّوا الدَّهرَ فإنّ اللهَ يقولُ أنا الدَّهرُ لي اللَّيلُ أجُدُّده وأُبلِيه وأذهبُ بملوكٍ وآتي بملوكٍ]اخرجه صاحب معجم الشيوخ ٢‏/٦٤٩ و ابن عساكر (ت ٥٧١) وحسنه وهو في الصحيحين
ولو إلتجائت الأمه بالله الرحمن عاملة بالأسباب التي شرعها الله لعباده من الأنس والجان لنصرها الرحمن بنصره الذي لا يغلب على كل العدوان كما نصر الله الجيل الأول في رمضان في معركة بدرٍ الكبرى في السابع عشر من رمضان وفي فتح مكة في العاشر من رمضان وكما نصر الله المسلمين في فتح الأندلس في رمضان عام ٩٢هجرية على يد المجاهد طارق بن زياد ثم استكمالها في عام٩٣ه‍ على يد المجاهد موسى بن نصير في التاسع من رمضان وكما نصر الله المسلمين على المغول التتار أوائل يأجوج ومأجوج في عين جالوت في الخمس عشر من رمضان من عام 658 هـ وعلى أحفادهم الصهاينة في العشر من رمضان من عام ١٩٧٣م
فضل ليالي رمضان في عِتق الله لعبادهِ من النيران في كل ليالي  شهر رمضان بأعداد لا يعلمها إلا الرحمن
فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهﷺ :[ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة] رواه الترمذي وصححه الألباني
وعنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:[ «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» ] رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني والمقصود عند كل فطر أي عند الإفطار في رمضان فإن دعوة الصائم عند فطره فيه لا ترد دعوته
وعن ابن مسعود مرفوعًا: [لله - تعالى - عند كل فطر من شهر رمضان كلَّ ليلة - عتقاءُ من النار ستون ألفًا، فإذا كان يومُ الفطر أَعتَقَ مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفًا))؛ رواه البيهقيُّ في "شُعَب الإيمان -3606- " وقال المُنذري: "وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات"