بيان أن القسم الذي جاء في سورة الفجر في الليالي العشر الذي جاء بصيغة نكره التي تفيد العموم «وَلَيَالٍ عَشْرٍ» داخلٌ فيهن الليالي العشر الأواخر من رمضان والأيام العشر الأُول من ذي الحجة والتي تقام فيهما صلاة الفجر والشفع والوتر وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ التي أقسم الله بهما لمن له ذي حِجر أي عقل يعقل هذا القَسم العظيم لاسيما التعقل بالقسم بالعشر فإنها قد تعاظمت تعظيماً كبيراً بدخول الفجر والشفع والوتر وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ المقسوم بهن فيها فإن الفجر والشفع والوتر وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ التي أقسم الله بها متضمنةٌ في الليالي والأيام العشر التي أقسم الله بها لمن له حجر 
وإن من عظمة العشر التي أقسم الله بها أن الله ختم فيهما ركني الإسلام الحج والصيام كما سيأتي بيانه :

وبيان ذلك كله أن ذكر الليل دون النهار في القرآن لايعني عدم دخول الأيام فيه بل داخلةٌ الأيام فيه 
فقد جاء في القران إفراد الليالي بالذكر وأن الأيام داخل فيها تضميناً كما في قوله تعالى في سورة مريم :{قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} فهنا بهذه الآية ذكرت ثلاث ليال وتدخل الثلاث الأيام فيها تضميناً وقد جاء التصريح في ذكرها في سورة آل عمران في قوله تعالى:{قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام} فذكرت هنا ثلاث أيام لتدل على أن ذكرها في سورة مريم ثلاث ليالٍ مع أيامها تضمينا لا محالة لتساوي ليالها مع أيامها ولذلك قال تعالى سويا أي أنها ثلاث ليالٍ متساوية مع ثلاث أيام بالعدد 
فيكون بِدأ سيدنا زكريا عليه السلام بكتم الكلام عن الناس في ما لا ينفع مَبدأهُ من الليل إلى ثالث يوم في النهار فتكون ثلاث ليالٍ وثلاث أيام سوياً 
ولو كان بدأ بها بالليل وانتهى بها بالليل لصار ذكرها بالتثنية لتفريق بينها فتكون ذكرها ثلاثة أيام وأربع ليالٍ وبتالي لا تكون سويا لأن الليل يتقدم على النهار ولما كانت متساوية ذكرت بالإفراد سواء بذكر ثلاث ليال أو العكس ثلاثة أيام كما هو مقطوعٌ به عند العرب الذي أنزل القرآن بلغتهم فإنهم يذكرون الليالي إذا كانت غير متساوية مع نهارها بالتثنية دون الإفراد ليفرقوا بينهما فيقولون مثلا تسعة أيام وعشر ليال وإذا كانت متساوية لياليها مع نهارها فيذكرونها بالإفراد بكتفاء أحدهما سواء بذكر لياليها أو أيامها فإذا ذكروها بالليل بالإفراد قصدوا الأيام معها وكانت الأيام داخلة فيها لا محالة وإذا أفردوها بذكر الأيام قصدوا معها الليالي فيقولون عشر ليال أو عشرة أيام وهذا ما جاء موافقاً في القرآن في "وَلَيَالٍ عَشْرٍ "بالإفراد لتساوي الليالي العشر بالأيام العشر فقد جائت ليال عشر بالإفراد فتكون الأيام العشر تضميناً معها لا محالة لتساويها وبتالي دخلت الأيام العشر من ذي الحجة بالليالي العشر التي أقسم الله بها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى جاء تنكير لفظ« ليالٍ عشر» بالقسم الإفادة بالعموم أي بعموم العشر اليالي الأواخر من شهر رمضان والعشر الليالي الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام وأيامها
قال القرطبي رحمة الله عليه في تفسير الآية: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} "وإنما نكرت ولم تُعَّرف لفضيلتها على غيرها ، فلو عُرِفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير ، فَنُكِرت من بين ما أقسم به ، للفضيلة التي ليست لغيرها "
فيدخل في «ليال عشر » العشر الليالي الأواخر من رمضان والعشر الليالي من ذي الحجة تصريحا والأيام العشر من ذي الحجة تضمينا لتساويها فتكون عشر بليالها وأيامها متساوية بالعدد والبدء
فبنسبة للعشر من ذي الحجة تبدأ من أول الليل وتنتهي باليوم النهاري والذي هو اليوم العاشر من شهر الله الحرام ذي الحجة وهو أعظم أيام الدنيا كما قال رسول اللهﷺ :[ أعظم الأيام عند الله يوم النحر ] رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني فيوم النحر العظيم هو اليوم العاشر من ذي الحجة ولذلك لا يُقسم الله تعالى إلا بعظيم وذلك اليوم العظيم هو ويوم عرفه من ضمن جملة الأيام العشر المقسوم به تعظيما لهما
وكذلك بنسبة للعشر الليالي من رمضان والذي فيه أعظم ليلة وهي ليلة القدر والتي هي من جملة الليالي العشر المقسوم بها وهي داخلةٌ بجملة القسم بالعشر الليالي تعظيما لها 

وأما مبدأ العشر الليالي الأواخر من رمضان تبدأ من نفس ألأيام الأوائل العشر من ذي الحجة فهي تبدأ من الليل وتنتهي باليوم النهاري الأخير من العشر الأواخر من رمضان المتمم لرمضان لأن ذلك اليوم ينتهى بهِ الشهر فلا يصير له ليل بعده يَتْبعهُ وإنما يصير ذلك الليل لِشهر الذي بعده وبتالي تنتهى باليوم لا بالليل الذي بعده فتكون عشر ليالي بعشرة أيام متساوية عدداً سَواءً بِسواء

وهنا يكون الله جلا وعلا قد أقسم بالعشر الليالي الأخيرة من رمضان وبالعشر الليالي الأول من ذي الحجة شهر الله الحرام تصريحاً وبأيامها تضميناً و زاد تعظيما لها بالقسم بالفجر والشفع والوتر