- بيان أعظم أسباب تحقق النصر والتمكين في الأرض والتيسر في الدين وبيان سبب عدم تَحققه في واقع المسلمين المعاصر - وهي دعوة لأهل الدين جماعات وأحزاباً وأفراداً في مراجعة دينهم مع الله سبحانه وتعالى

بسم الله الرحمن الرحيم القائل في كتابه الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا }
والصلاة والسلام على رسول الله القائل في الحديث الصحيح -:[ بشر هَذِه الْأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين فِي الأرْض مَا لم يطلبوا الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة فَمن عمل مِنْهُم عمل الْآخِرَة للدنيا لم يكن لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب] أخرجه أَحْمد وَالْحَاكِم وصَححهُ وَابْن حبَان في صحيحه وصححه الألباني 

وفي لفظ عند أحمد عن أُبي بن كعب أَن رَسُول الله ﷺ قال:-[ بشِّرْ هذِهِ الأمَُةَ بالتَّيسيرِ، والسَّناءِ، والرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنَّصرِ، فمَن عمِلَ منهم بعملِ الآخرةِ للدُّنيا فليسَ لَهُ في الآخرةِ من نصيبٍ]أخرجه أحمد والمنذري في الترغيب والترهيب وصححه الالباني والحاكم 

وما سبق ذكره من الأدلة الصحيحة السابقة يتضح أن النصر والتمكين في الأرض والتيسر في الدين يكون مشروطا لمن لم يَطلبوا الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة وهذا الشرط فعلا ما تحقق في الأجيال الماضية البعيدة والقريبة وأن سبب عدم تحققه في أجيالنا المعاصرة والحاضرة وتأخره هو طلب الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة: من آكلٍ لدنيا بالدين، وإيثار الدنيا على الدين وعمل للعاجلة وهمها دون الآجلة وهذا ما يستدعي منا جميعاً مراجعة ديننا في أعمالنا للآخرة مع الله سبحانه وتعالى في تصحيحها لوجه تعالى في كل أعمالنا للآخرة ولا سيما ذروة سنام دين الإسلام الجهاد في سبيل الله والذي به يُحقِق الله النصرَ والتمكين للمسلمين إذا ابتغوا به سبيل رب العالمين 
وحتى لايُحرم المسلمون الأجر من رب العالمين وينجوا من العذاب الأليم : عليهم أن ينوا بالجهاد وجه اللَّه رب العالمين لا لأطماع الدنيا وحظوظها الفانية:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال :[أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا أَجْرَ لَهُ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ النَّاسُ وَقَالُوا لِلرَّجُلِ عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَعَلَّكَ لَمْ تُفَهِّمْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَقَالَ لَا أَجْرَ لَهُ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ لَا أَجْرَ لَهُ] أخرجه ابو داود وصححه الالباني

وفي رواية عند أبي داود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي أمامة قال: جاء رجل فقال:[ يا رسول الله أرأيت رجلا غزى يلتمس الأجر والذكر؟ ما له؟ قال: لا شيء له، فأعادها ثلاثا، كل ذلك يقول: لا شيء له، ثم قال رسول الله ﷺ : إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغى به وجهه ]صححه الالباني في صحيح أبي داود
ومن إنحرف عن ابتغاء وجه الله في أعماله للآخرة فإنه قد عرض نفسه للعذاب في الآخرة فقد صح في الحديث الذي رواه أبو هريرة أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم العلماء وقُراء القرآن والمتصدقين والمجاهدين الذين إنحرفتهم نياتهم عن الآخرة لأجل الدنيا: من رياء يرادوا به الجاه والشهرة، وطلبٍ وطمعٍ للمال ولهذا قال العلماء أنهم مع أعمالهم هذه للآخرة يعذبون في الآخرة لأنهم جردوا قصدهم إلى الدنيا ولم يعملوا للآخرة 

 وقد رُويَ أن أبا هريرة رضي الله عنه أنهُ ذكر حديث الذين أول من تسعر بهم النار من الذين اتخذوا الدين لدنيا عند معاوية رضي الله عنه فبكى حتى ظُن أنه هلك فلما أفاق قال: صدق اللَّه: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُون (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُون (16)} [هود] وهؤلاء المقصود بهم في الآية هم المستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم للآخرة لا يكادون يُريدون الآخرة وإنما مريدون بأعمال الآخرة لدنيا
قال القاضي عياض: معنى الآية: "من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا' وقَالَ قَتَادَة:" من يُؤثر دُنْيَاهُ على آخرته لم يَجْعَل الله لَهُ نَصِيبا فِي